صلّى ربّنا يسوع المسيح من أجل تلاميذه الذين سيقومون بنشر بشارته بين الناس. فيطلب إلى الآب أن يحفظهم ويُقدسهم، وأكثر من ذلك أن يكون لهم الفرح الذي كان ليسوع بالآب. فالفرح هو علامة تُميز المسيحي، لأن المسيحي الحزين لا يُمكن أن يكون شاهداً لحضور ربّنا يسوع المسيح في حياته. وحده المسيحي الفرِح علامةٌ حيّة لقيامة يسوع المسيح. وحده المسيحي الفِرح علامةٌ حيّة لإنتصار كلمة الله المحيّة، لأنه مسيحي يحملُ رجاء الله المُخلَّص.
مراراً ما يطلب البعض منّا: لماذا لا تسعى الكنيسة إلى حلَّ أزمة المسيحيين فيصدر البابا أمر بأن تخصص لهم أرضٌ كبيرة في أوربا أو أمريكا ليعيشوا فيها. وكأن المسيحية هي راحة واطمئنان: اليوم يُسمعنا يسوع في صلاته: أننا مُلكُ الله: "كُلُّ ما هو لي فهو لكَ، وكُلُّ ما هو لكَ هو لي، وأنا أتمجدُّ فيهم"، وأن الله أعطانا لأبنه يسوع المسيح، وأن ربّ،ا يسوع قدّمنا لأبيه عطيّة فرحٍ، فنحن إذن موضوعَ فرحِ إلهنا وربنا خالقنا. لذا، لا يُريد ربّ،ا يسوع أن يُخرجنا من العالم، "أنني لا أطلب أن تُخرجهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير وتقدسهم وهم في العالم". هم ملحُ الأرض ونور العالم وخميرتهُ. فالعالم بحاجةٍ إلينا، وكل يوم يمر على هذه الأرض، فيها طلبٌ لأن يعيش الناس مسيحيتهم بشكل أصدق. وهذا يكون إذا ما كان لنا حياة مع الله، وإذا قدّمت حياتنا شهادة حيّةً لهذا الحضور الإلهي. ولكنَّ كيف لنا أن نشهدَ في حياتنا لنورِ الله فينا ونحن نعيش وسط عالم ٍيرفض النور بل يُميتهُ مثلما أرادَ قتلَ ربّنا يسوع؟
يروي لنا آباؤنا الروحيون عن ناسكٍ إجتمعَ حولهُ نُخبةٌ من الشباب الطيّب كانوا يرغبون في تعلّم فنِّ عيشِ الحياة مسيحياً. أنهى هذا الناسك تعليمهُ فسألهُ أحد الشباب: ما معنى الحياة؟ ضحكَ بقية الشباب من السؤال المُبهَم، إلا أن الناسكَ تأملّّ في وجهِ الشاب بمحبةٍ وأخرجَ قطعة مرآة صغيرة من جيبهِ وقالَ له: "كُنت طفلاً صغيراً يومَ إشتعلت الحرب في مدينتنا ودمرّت كلَّ شيء، وكنت أتجوّل يوماً بين الحُطام فرأت مرأةً مكسورة أخذت منها أكبر القطع، ورُحت أتجولُ وأتسلى بهذه القطعة فأوجهها إلى الشمس وأعكسها في المناطق المُظلمِة لأكتشفَ خفاياها، وعندما كبرتُ إكتشفتُ أنن يلم أكن ألعب، بل أن الله درّسني دراسً مهماً وهو: "أنني موجود لأتوجّه إليه وأسعى لأعكُسَ من نورهِ ومن خلالي ظُلمات العالم لأُنيرها، فكلُّ واحدٍ منّا قُطعةٌ من نور الله، وعلينا أن نعيش َهذا النور محبة وتسامحاً وصدقاً وغفراناً مع الناس ليكتشفوا هم ايضاً أنهم قطعة من نور الله، وهذا هو معنى الحياة يا عزيزي". .
إلهنا تجسّد، صار منّا ولنا، أعطانا من حياته، أعطانا يسوع ليكوّن فينا الإنسان الذي يجب أن يكبر في العالم. ولكنه ينتظر منّا نحن أيضاً أن يكون لنا الاستعداد لأن نعطي من راحتنا ومن أجسادنا ومن دمنا ومن فكرنا ليتقدس العالم ليكون العالم أرض الله، ملكوت الله. أن نكونَ مثلَ الأم التي تحملُ الجنينَ وتسمح له بأن يكبرَ في داخلها جسدَ طفلٍ. هما اثنان على الرغمِ من أننا نرى شخصَ الأم وحدها. هناك حياة تنمو ببطأ وصمت وهي حياة حقيقية. هناك ألمٌ وعذابٌ تتحمله الأم وتتنازل عن راحتها فرحةٌ لأنها تُعطي الطفلَ حياة إنسانية، وتُقدم للبشرية إنساناً يُمكن أن يُغيّر حياة الناس كلّهم.
فكيف لنا اليوم أن نعيش صلاة يسوع المسيح؟
أولاً أن نتعلّم كيف نشكر الله حقيقة على عطيّة الحياة. أن نتعلّم التمجيد والذي يكون خاصة بعد أن نُتّم ما لنا من التزامات مسيحية في عاتقنا. فقبل أن نتوجّه بكلمات فارغة في صلاة إلى الله، يُمكن أن ننظر إلى حياتنا ونرى كم سمحنا لله أن يكون فيها إلهاً لنا وللآخرين؟ هل سمحنا لله أن يُقدس حياتنا ويُنعشها بالنور والحقيقة فتكون للآخرين نوراً هادياً؟ أن نشكره لأنه إختارنا على الرغم من ضعفنا لنكون رُسل محبته إلى العالم، فعلّمنا بيسوع المسيح إبنه كيف نعيش منه وله وفيه، وأحيانا بروحه القُدوس شهوداً أُمناَ لكلمه.
منقول عن أحد الأباء