مدينة الله السريــــــة
الفصــــل التــــاســع
مِحـَنُ مريــــم المختلفة في الهيكـــــل
كان يجب على البطلة الصغيرة ان تتكمَّل وتغتني بواسطة الألم . فهيأها الله لذلك قائلا: ((إني أحبك ياأبنتي حباً غير متناه واطلب منكِ الشيء الاحب اليَّ.
عليك أن تـَعلـَمي أن الكنز مخبأ في المصائب التي تـُروِّع الناس بسبب عمى قلوبهم. عندما يأخذ إبني الطبيعة البشرية سيعلِم البشر طريق الصليب بمذهبَهُ ومثله ، وسيتركه من نصيب جميع
مختاريَّ ، ولذا أريد منك أن تتهَّيأي لِتحمُـل الآلام حباً بيَّ )).
فاستجابت مريم التي لاتقهر لهذا العرض بثبات يفوق جرأة جميع الشهداء وقالت: ((ياسيدي وإلهي ومَلكي ، لقد سبق وكرَّست ُ لِرَغبتكَ الإلهية كِياني بِكلِيته مع جميع قواي وكل حياتي حتى يكمل كل شيءٍ فيَّ حسب رغبة حكمّتـك وحنّوك اللامتناهي ، وإن كنتَ مع ذلك تسمح لي بأن أختار نصيبي فلا أريد شيئاً البتة سوى أن اتألم من أجل حبك حتى الممات. وارجو منك أن تصنع من خادمتك هذه محرقة حبّ مرضية لجلالك . لايتوجَّب على الخلائق كلـّها مُجتمعة من عرفان للجميل بقدر مايتوجب عليَّ وحدي ، ومع ذلك ارى نفسي عاجزة أن نعّـوض لجلالك،
الجميل الذي أرغب فيه . ولكن إن كانت الآلام التي أتحملها من أجلكَ تفي بهذا الجميل فأجعل ياإلهي جميع مضايق وأوجاع الموت تـّنصبُ عليَّ ، وأرجوك فقط أن تدعَني ساجدة أمام عرشك أسألك بإلحاح أن لاتهملني بل تكون عاضدي )).
فأجابها الرب الإله: ((إن رغباتك تلذُ ُ لي وأتقبّلها. وحتى أبدأ بتتميمها فإني أُنبئك بأن والدك قد قارب الموت وسيذهب تواً إلى الينبوس مع سائر القديسين)). لم يُعكِر هذا النبـأ المفاجىء شهامة قلب الأميرة السماوية ولكنَّ إمتحاناً أشدّ ألماً منهُ ما عَتّـّمَ أن أخترق قلبها. حتى هذه اللحظة كانت قد تمتعت بملاطفات العَلي العذبة ومحبة أهلها ومعلماتها ولكن قد حان الوقت حتى يجعلها حرمان هذه المَلاذ تتقدم بمعرفة ومُمارسة الألــم.
واول الآلام كان فقدانها رؤى الله وحتى الملائكة ، فوجدت نفسها بُغتـة غارقة في ظلام الليل . فنسبَت لنكرانها الجميل سبب إختفاء الأنوار السماوية التي كانت قد أعتادت عليها ، وبلسان حبِها الشديد الحزن توجهَت للسيد بهذه الأقوال: ((أيها الإله العظيم ، السيد المطلق لجميع المخلوقات إني أقرُ بأني بصفتي خليقة حقيرةُ لم أكن لأستـَحِقَّ إنعاماتك. فإذا كان إنكاري الجميل وتخاذلي قد حَجَبا عني الشمس التي كانت حياتي ، فأنتَ الفائق الصلاح والرأفة أكشف لي خطيئتي ، وأن كنت بسبب جهلي لم أتمم ماهو مرضيَ لديك ، فأني أخـرُّ ساجدة للأرض وألتصق بالتراب حتى يحلو لك أن تنهضني من حقارتي هذه وعزلتي . سئمت نفسي مرارة غيابك ولا أجد أي تعزية في شدائدي. إلى أين أذهب إذا ما تركتـّني ومَن يعزيني ومَن يقيني شرَّ الموت بدونك أنت حياتي العـذبـة)) .
وعبَّرت أيضا عن ألمها للملائكة القديسين قائلة : ((يااصدقاء نفسي الأمناء، لماذا انتم ايضاً تركتموني ؟ ... لماذ تحرمونني من عذوبة مشاهدتكم ؟ ولكن مابي أعجب كيف فقدت الحظوة عندكم وأنا قد فقدت حظوة الخالق؟
أي خطأ أرتكبت ؟ أرجو أن تنيروا جهلي ، غذا كنت قد فعلت أية مخالفة اصلحوني وأطلبوا لي المَغفرة من سيدي الإلهي. غرحموا حزني وقولوا لي أين أجد رَبيّ ؟ ولكن للاسف إنكم ايضا الكلـّيو الشرف لاتجيبونـي !)) ....
وكانت تشكو همها أيضا لبقية الخلائق وتقول لهم : ((إنكم دون شك قد تسلحتم جميعا تجاة نكراني للجميل ، ولكن غذا كنتم قبلتموني بينكم واو كُنتُ أحقركم فيجب أن تستجيبوا لرغبتي.
إنكم دون شك تلمعون جمالا وانتم تؤلفون معا سلِماً كبيراً ونغماُ ناعماُ يرتقي بالإنسان إلى معرفة إلهـي ، ولكنكم لا تفرشجون كربتي ولم تنمعوا تحليقي . هذا هو إلهي وحبيب نفسي وهو وحده ابتغي . إلى أين ساذهب وأين أعيش او بالحري أين أموت ؟ هل يوجد ألم شبيه
بألمــي)) ؟ !....
كم من المرات عاودت هذه الشكاوى ومزجتها بكثير من الدموع ! وكان الملائكة يتعجبون من فضيلة سامية كهذه عند هذه الطفلة الصغيرة كما أن الله كان يرضي عن هذا التواضع والصبر وحرارة التفتيش عنـهُ.
ومن جهته تعالى فإنه كان يعطيها حرارة جديدة لمجده حتى إذا ما أحبته اكثر فتـَشت عنه بإستحقاقات دائما متصاعدة.
إن هذا الامتحان لم يَدم طويلاً ولكنَّ العذراء القديسة عانت منُ آلاماً روحية تفوق آلام الشهداء جميعاً وهكذا كانت تهيِئها العناية الإلهية لتحمَل مشاق كبيرة من نوعٍ آخر. كان الشيطان يرى بحزن وغضب نموها في القداسة. فجمع في الجحيم شـرَّ أتباعه وقصَّ عليهم مخاوفهِ تجاه مريم وهل هي المرأة التي هُـدّد بها. ولما عبَّر عن كرهه العظيم الذي توحيه له مع رغبتهُ الفائقة بالقضاء عليها ، راحوا يتنافسون السبُل للوصول غلى هدفهم وبعد تآمر هولاء المنشقين ذهبت طغمة الشياطين تحاصر مدين الله . وكان لوسيفورس القائد حسب عادته أول المهاجمين وبدأ بعدهُ الجميع بالعمــــل.
كانت العذراء القديسة تعاني من الآلم الذي سبَّبه لها غياب الله الخارجي عنها عندما شعرت بغتة أنها محاصرة بتحارب شديدة الغرابة . ولم يكن ممكنا لأحد استيعاب وطأة ذلك الآلم الذي كان يُعَذِ ب قلبها الشديد الطهارة.
وشجع ألمها ودموعها هذه لوسيفوس فقال لجنوده: ((إلى الأمام تشجَّعوا ، وتابعوها بقوة ، إنها في غمرة الحزن ، أنهُ الطريق إلى اليأس )). وتصدى لها جميعهم بكثير من الأندفاع الجديد وضاعفوا هجومهم مع كثير من المكر والقوة. ولكنَّ جهودهم كانت تـّذهب دائماً سُدىً
لأنهُ بقدر ماتطرق حجر فضيلة كريمة، بقدر مايتطاير منها سرر محبتها الإلهية. أما الشيطان الذي بُهـر وأرتبك بنقاوة هذه الطفلة العجيبة جرَّب أن يُميتها ، ولكن جهودهُ سقطت جميعها تجاه هذه القوة السرّية التي كانت تقاومَهُ. ورغم ذلك يعاود الكَّرَةَ بضربات أخرى ولكن جميع هذه الأحتمالات لم تـُصب نجاحاً أفضل مٍن محاولات هجوم نملة تجاه حائط الماس.
وسط هذه التجارب العديدة والعنيفة لم تكُن مريم تفقد من هدوئها وسمو نفسها المترسِخة بالله.
وتنهل من صلواتها المستديمة مثابرة على الدفاع لا تـُقهـر. وكانت تردد: ((ياإلهي، بينما أنا الأن في غمرة الشدائد ستكون أنتَ معي ، وبما أني أقاسي من شدة الآلام ستدافع أنتَ عَني لأنكَ أنتَ ياسيدي وأبي وقوتي وملجأي وتنتشلني من الخطر )).
وكانت تسر لهم ايضا مقاطع من الكتاب المقدس تتعلق باعداء الإنسان غير المنظورين. واخيراً سكنت العاصفة ، وكان الله قد سمح بها لأنه كان يريد أن تـُجرب أمُ النِعَم بالوسائل كافة ولكن دون اية خطيئة ، كما سيحدث لأبنها في المستقبل . ومع ذلك فإنه كان كثير اإعجاب بثباتها وكِبَرِ محبتها.
إلا أن الشيطان لم يكن ليرضخ لهزيمته، فعاود بواسطة رفيقات مريم حيث اشعل في قلوبُهُنَّ نار الكُرِه والغيرة إلى حدِ أنـَهُنَّ أتفقنَ على إضطهادها. فأنصبت عليها الشتائـم، وعاملنها كمفسدة خبيثة ونمامة، وصارحتها بأنهُنَّ يعتبرنها كشيطان صغير.
تجاه هذه الإهانات أجابت مريم بتواضع: ((إنكنَّ بعدل تعاملني هكذا يا رفيقاتي العزيزات ، لاني
فعلاً احقر الجميع سامحوني وأعطوني نصائحكنّ حتى لاأعمل من الآن وصاعداَ إلا ماهو مرضيَّ لكـُنَّ بالأكثر . ولا تحرمنني محبّتكنَ ، وسأجتهد مع ذلك أن استحقها لأني أحبكن وأحترمُكنَ ، وعليكن أن تأمرنني كخادمة لَـَكُنَّ وسأطيعُكـُنَّ في كل شيء)) .
لم تـُلِين هذه الكلمات اللطيفة صلابة قلب هولاء التعيسات ، وبتحريض من التنين الجهّمني الذي نفخ فيهُنَّ غَضَبهُ رغبنَ حتى أن يُمتنـها. ولكن لم يسمح السيد الرب بتنفيذ أهدافـُهنَّ المُميتة. وكلّ ما أستطعنَ فعله هولاء الشريرات الصغيرات هو شتم هذه الطفلة البرئية ودفعها بقساوة في كل سانحة فمارست هي تـُجاهُهنّ التواضع والمحبة ببطولة غريبة ، مُجازية الشرَّ بالخير إستحقاقات السرافيم .
ولم تـَكُن النهاية . فبعد عدة أيام قادت هولاء التعيسات ، وهـُنَّ ثملات غضباً ، أميرتـُهُنَّ الصغيرة إلى إحدى الغرف المنفردة وأنهلـنّ عليها بإهانات شرسة حتى ينتصُرنَ أقلـَه على هدوئها. فأغتاظت هولاء المظطهدات لأنـَهُنَّ لم يستطعنَّ ان يُعّكِرنَ صفاءها فأحدثـَنَ ضجة كبيرة حتى تـُسمع في الهيكل ، فأسرعت المُعلمات وحتى الكهنة ليُشاهدوا سبب هذه الجلبة . فصاحت الرفيقات بصوت واحد: ((إن مريم هي سبب كل ذلك ومِنَ المستحيل العيش معها. إنها
تـُهيننُا وإذا ماعاتبناها على ذلك تسخر منا وتركع على أقدامنا بتواضع كاذب)).
خّدِعَ الكهنة بهذه الاقوال واقتادوا مريم إلى غرفة محايدة وراحوا يوبِخونها وحتى يهددونها بالطرد من الهيكل إن لم تـُصلح سلوكها .
فأجابت حزينة حتى أغرورقت عيناها بالدموع : ((ياأسيادي إني أشكر نصائحكم ، وارجو منكم أن تسامحوا ضعفي وتساعدوني من الآن فصاعدا حتى أتمكن من ارضاء العزّة الإلهية واخواني)).
وبعد أن نالت توبيخات أخرى التحقت برفيقاتها وركعت على أقدامهُنَ وطلبت المغفرة وهي تذرف الدموع، ولكن من غير أن تتغلب على رداءتـُهُنَ . فاخترعُنَ من جديد أكاذيب أخرى سبَّبت لها توبيخات جديدة.
ولكنَّ الذي شقَّ عليها بالأكثر هو استمرار غياب الله عنها . فضاعفت شكواها ودموعها لتسترجع هذا الحضور فقالت : ((ياخيري الأسمى وأبي ، هل بإمكاني ان أعجب من كُره الخلائق لي ، وانتّ تخليتَ عنّي يامن هو خالقي وسيدي ؟ أحقا أنَّ جحودي يستحق بعد هذه القساوة ؟ ولكني لن أفتر من الإقرار أنكَ ملجأي وكنزي وأرتياحي. فليجد تهاوني تـَعويضاً عنه في ألم البُعاد عنكَ، وليكن تسامحك مكافأة للخلائق فاعلات الخير اللواتي يسببنَهُ لي ويُلزمنني أن أتَعرف أكثر فأكثر إلى إحساناتكَ وحقارتي . إرأف بي أنا احقرهُنَ واسمح بأن أشاهد اخيراً وجهك الإلهي)) . وبالرغم من أنَّ العَلي تظاهر بالصمم تجاه هذه التشكيات اللطيفة ، ولكنه سُـرَّ بها بسبب الفضائل التي كانت تـُحركها والخير الذي كان يعود منها لمختارتهَ العزيزة ، لهذا السبب بالذات كان يسمح بعسيس نار الأظطهادات التي كانت تـُعذبها. ولكن لما حان اوان توقفها قال بالحلم للكاهن ومعلمتها: ((إن خادمتي مريم مستحبة لديّ ، وهي طفلة كاملة وبريئة تماماً من الأخطاء التي ينسبونها لها)) . ومنذ الفجر تبادل سمعان وحنة الإيحاء الذي تلقياهُ ليلاً ونادياً اميريتنا الجليلة . ثـُم طلبا منها المَعذرة لأنهما أعارا سمعهما لأفتراءات رفيقاتها ، وعرضا عليها أن يصرفا جميع من يَستطيعان حتى يجنَبانها سوء معاملتهُنَ .
ولكنَّ أُمَّ التواضع أجابتك : (( إن الإصلاحات متوجبة عليّ ، ورفقة أخواتي تحلو لي كثيراً ، وبما أني مدينة لهُـنَّ لأنهنَ تحمَّلنني أرغب أن أخدُمهُنَّ دوماً. وبالنتيجة فأنا رُهنَ إرادتكما)).
وطلبت منهما أخيراً بركتهما مع السماح لها بأن تـُقبِل يدهما حسب العادة . ومن هذه اللحظة راحا يشعران نحوها بمحبة وإجلال أكثر ويعتنيان بها بتضحية وما إن أصبحت في خلوتها حتى قالت لله: ((لماذا ياسيدي الحبيب تستعمل معي كثرة هذه القساوة ؟ لماذ أبعدتَ عني الآلام الصغيرة التي كنتُ أتحملها من أجلكَ وكانت تعزيني عوض حرماني من رؤيتك. كيف أستطيع العيش من الآن وصاعدا بدون هذه التعزية وأتحمل مشقة غيابك ! ولكن لتِكن مشيئتك في كل
شيء )).
ووضع الله أحدا لأضطهادات رفيقاتها ولكنَّ الشيء الغريب هو أنه تابع طيلة عشر سنوات إمتحان غيابهُ عنها وكان يقطع بالكاد لحظة هذا الغياب ويرفع الستار عن مختارتـَهُ حتى يقويها وكان يتصرف هكذا حتى يُنمي فيها الطهارة مع حرارة واستحقاقات حُبِها له. ولم يكن يتأخر بأن يَغدُق على نفسها نِعَماُ تفوق فيض ما يُسكب على القديسين جميعهم.
إرشادات العذراء الفائقة القـداسة
صدِقيني ياأبنتي العزيزة ، إن آلام الإنسان سواء خطىء أو لم يخطىء ، هي نِعمة من الرحمة الإلهية . فما أشد عمى قلوب الناس الذين يهربون من الألم ولا يفتِشون إلا عن اللذة. فإذا ماتهرب الذهب من التون والحديد من المبرد والحَب من الطاحونة والعنب من المعصرة تصبح جميعها بدون جدوى والجماعة لاتستفيد منها وهكذا تكون نا وفت بالغرض الذي مِن أجلهُ وُجدت.
إن بعضا من الناس ولو ابرياء سيكونون غير أهل للتمتع بالله، فكيف يريد من تلطخ بأقذار فاحشة ، الوصول إلى مثل هذه السعادة دون أن يكون قد تطهَر بالآلام. فالآلام هي الثمن الضروري للحصول على المجد الأبدي والمشعل الذي ينير سراب الاشياء الأرضية ، ولذا فقد أختار ابني الآلام من أجله ومن أجل مختاريه. فتهللي إذاً إنَّ العَلي تنازل وأرسل لكِ الشدائد فإنها أفضل برهان على مَحبتهُ.
الله وحده هو الخير الحقيقي للإنسان وكلـَما تعرَّفنا إليه أحببناهُ أكثر . أُحكي بنفسك عن الألم الذي كنتُ أتحمَلـَهٌ عندما حُرمتُ من وجوده الإلهي ، وتعرضت لمخاوف فقدانهِ. فألم الشك هذا وعظم محبتي للرب أوشكا أن يفقداني الحياة لو لم يتدخـَّل الرب ويحفظها لِي.
فأنت ياأبنتي بين اعداءِ غير منظورين يريدون أن يختلسوا الله منكِ فاسهري وحاربي وإذا ماتوارى الله بنفسه عنك فتشِي عنه بحرارة وأنتظريهِ بصبر حتى عودتهُ ، وعندما تجدينه أكنزي كل مؤنة من حُبِهِ لوقت الإمتحان.
وأخيراً ياأبنتي العزيزة ، مِن أجل معاملات رفيقاتي السيئة لي في الهيكل أريد أن تكوني مستعدة لتتقبلي بفرح إضطهادات وأفتراءات الخلائق ، عندما تقدِم لكِ العناية الإلهية هذا الخير الجزيل. فأولاد الهلاك وقد أستعبدتهم الكبرياء وأعمت بصائرهم، لم يعودوا يَرَونَ الكنز المخفي بالآلام ومغفرة الشتائم ويذهبون حتى الأفتخار بالأخذ بالثأر الذي هو حتى من الناحية الطبيعية من أحقر وأظلم الرذائل لأنهُ يناهض الرحمة والعقل. كما هو أكثر من ذلك يُناقض تعاليم الإيمان.
فأعلمي ياأبنتي العزيزة بأن الربَّ سيُسرُّ بكِ بالأكثر عندما يراك تحتملين الآلام حُباً بهِ وتغفرين الشتائم بهدوء قلب، وإذا باختيارك عملت كفَّارات قاسية ، وحتى لو سفكت دمكِ من اجلهُ ، اظهري بمظهر المَحبة والهدوء والتواضع ، لطيفة مع مـُظطهديكِ . وإن ثأرت منهم تثأرين من الله نفسه لأنهم أدواتهُ. بادليهم بالحري الخير بالشر ، الحب بالبغض والمديح بالمذمة والبركة بدل اللعنه ، تسيطرين هكذا على الطبيعة وتغلبين الجحيم فتصلين إلى قلب الله وتصعدين إلى أعلى درجات القداسة وستصبحين أخيراً شبيهة بي.
عندما كان أحد يسخط عليّ فعوض أن استاء منه لم يهدأ لي قرار حتى أعبّر له قدر إستطاعتي كم أتمنى له الخلاص الأبدي مكافأة له على الخير الذي سببَّهُ لـِي.