مدينة الله السريـــــــــــة
الفصــل الســـــاد س
ميــلاد مريــــــم
وفي الثامن من شهر أيلول علمت القديسة حنة بأنها ستحصل أخيرا على الولد الذي طالما أنتظرته بعد صلوات كثيرة . فخرت ساجدة وسألت الله ان يباركها. عندئذ دخلت ابنتها الجليلة بإنخطاف سامِ بحيث إنها لم تستطع أن تشعر بقدومها إلى هذا العالم. وعندما خرجت من هذا الانخطاف وجدت نفسها جميلة للغاية بين ذراعي أمها السعيدة التي حُفظت بعيدة عن جميع آلام المخاض الطبيعة التي تحصل للمراة في مثل هذه الحالة ورفعت إلى الله هذه الصلاة))ياخالق جميع الكائنات إني اشكرك واقدم لك إبنتي هذه التي حصلتُ عليها بفضل صلاحك. تصرًّف كما تريد بالأبنة وأمها وكن مباركاً على الدوام لأنك أغنيت العالم بمخلوقة كهذه ولأنك قد هيأت في داخلها مسكناً للكلمة الأزلي . ولكن كيف يجب عليًّ أن أتصرف نحوها أنا التي لست بأهل أن أكون خادمة لها)).
أجابها السيد داخلياً أن عليها أن تعاملها كما تعامل سائر الأمهات أولادهن دون أن تـُظهِرَ الاحترام الذي تكنهُ لها في قلبها ولكن بمقدار من العناية والحب.
وقدم الملائكة الحراس للعذراء القديسة ، مصحوبين بجوقة كبيرة من الملائكة الآخرين،
الاحترام الواجب لها ، وهي بين ذراعي أمها القديسة حنة ، ورنَّمو لها موسيقى سماوية وتجندوا لخدمتها. وقد شاهدتهم العذراء للمرة الأولى باشكال جسديه يحملون شعارات رمزية ودعتهم لتمجيد الله بصبحتها وباسمها .
وارسل الله رئيس الملائكة جبرائيل إلى سكان الينبوس القديسين ليحمل لهم البشرى التي جعلتهم يهتزون فرحا وعرفانا بالجميل.
ومَّرت جميع هذه الاشياء بسرعة فائقة، وصنع العَلي للاميره الإلهية عجائب اخرى كان أولها أنها نـُقِلت إلى السماء بواسطة جوقة كبيرة من الملائكة رفعتها من ذراعي والدتها وبتطواف احتفالي وصلت بين أنغام الترانيم إلى عرش الله حيث سجدت له.
وكيف يمكننا أن نصف الفرح الكبير والاعجاب اللذين تاملت بهما الأرواح السماوية هذه الطفلة وكيف قدم لها الإكرام الواجب كملكتهم المحبوبة ؟
وقد رفعها الكلمة واجلسها الى يمينه ، ونالت يإيحاءات جديدة نـُمواً لجميع قواها وأنعم عليها برؤية إلهية ظهرت لها فيها الألوهية بدون اي قناع وبدرجة سامية للغاية. وبينما هي متلهِبة حماساً لمجده طلبت منه للحال الإسراع في خلاص العالم ، بإتمام سر التجسد . وتنازل السيد وطمانها بان رغبتها هذه ستتم بوقت قريب. وبعدئذ كشف الثالوث الاقدس للملائكة ، أنه رسم منذ الأزل أن يُعطى للأم والأبن اسمي مريم ويسوع ، وفيهما قد وضع إعجابه وأنتهى إلى القول)) إن اسم مريم يجب أن يُمجد على أكمل وجه. والذين يبتهلون إليه بتقوى حقيقية ينالون
نِعَماً غزيزة ، والذين يتلفظون به بإحترام ينالون العزاء، الجميع يجدون فيه الدواء لأوجاعهم والنور لأعمالهم والكنوز لشقائهم . فهذا الأسم سيكون مُرعباً للجحيم وسيسحق رأس الحية)).
(ابليس)
لقد فرض السيد نفسه هذا الأسم على العذراء القديسة التي تقبَّلته بأناشيد عجيبة، والملائكة سجدوا هم أيضا لدى سماعهم الله يتلفظ به وحيوه بأناشيد المديح ولاسيما الذين كان هذا الاسم شعاراً لهم .
واخيرا اعاد الملائكة أنفسهم مريم التي حملوها إلى السماء ، وبنفس الإكرام إلى ذراعي أمها التي لم تشعر بغيابها لأن ملاكاً من حراسها شغل مكانها بجسم هوائي. وفضلا عن ذلك فقد حصلت بهذا الوقت على إنجذاب حيث كشفت لها اشياء عظيمة تعود إلى شرف أم الله.
وبعد ثمانية أيام نزل من السماء عدد كبير من الملائكة يلبسون درعاً براقاً حيث كان يلمع عليه اسم مريم. وقالوا للقديسة حنة إنه يجب ان تعطي لأبنتها بأقرب وقت هذا الأسم ، فامتثلت للحال هي والقديس يواكيم وجمعوا ، دون إبطاء، في وليمة فخمة جميع الاهل مع الكاهن وفي احتفال فرح اعطوا بدورهم لإبنتهم القديسة الاسم االعذب ، اسم مريم. واحتفل به الملائكة من جديد بأنغام موسيقية عذبة لم يسمعها غير الأبنة وأمها. وإنها لسعيدة الارض التي حصلت أخيراً على أمِ فاديها .
إرشادات العذراءالكلية القداسة
لقد عجبت ياأبنتي لكوني صعدت إلى السماء قبل ابني الإلهي الناهض من الاموات.
حقا إن البشر لم يكن باستطعاتهم الدخول إليها الاًّ بعد المسيح يسوع. ولكن بما أن الخطيئة هي التي كانت قد اغلقت السماء لذا أُدخِلتُ إليها انا لأني كنت بدون خطيئة .
وفوق ذلك فبما أن الجود الإلهي كان قد نصَّبني ملكة السماء فكيف يمكن لي إذاً أن أبقى مقصيةً عنها؟ وأخيراً ، فالله الذي رسم هذه القاعدة بإمكانه أن يعفي منها من يشاء عند الحاجة.
فباركيه معي على هذه النِعمة التي جعلني أتمًّتع بها واستفيدي من الأراء التي سأعطيها لك:
إجتهدي ان تتشبهي بي في نهج قـُمت به منذ ولادتي وتابعتهُ طيلة حياتي. ففي البدء كل يوم، كنت اسجد عند اقدام العَلي وأمجدهُ على كمالاته غير المتناهية وأعترف بِملكِهِ السامي على جميع الاشياء واشكرهُ أيضا لأنه رفعني من العَدم، واقدم له ذاتي بأستسلام كامل لكي يتصرف بي كما يشاء طيلة النهار وسائر ايام حياتي.
وكنت أبتهل إليه ليعرفني على ماهو الحب إليه حتى أقوم به، وكنت أساله هدايته وسماحة وبركته عن كل أعمالي واكرر ذلك مرات عديدة في اليوم.
وهكذا بقدر ماتكونين متعبدة حقاً لأسمي العذب ، يمكنك عندئذ أن تقتفي اثاري . وأعلمي أن الله قد وهب، مكافاة لذلك، نِعماً كثيرة وأمتيازات لم أكن أفكر او أتلفظ بها دون أن أرفع فعل شكر لله. وكنت أحمل نفسي على القيام بأعمال كبيرة نحو السيد الذي أنعم عليَّ بها.