القديسة العظيمـة فيرونيكا جولياني ج6
ومن جهة أخرى ، وفيما هي لا تزال تكتب اليوميات الطاعة، تجد أن كل شيء ، يغيب عن ذاكرتها ، هي التي كانت تستطيع قبلاً وصف كل التفاصيل . لذلك لجأت بعد سنة 1720 إلى معونة مريم الكلية القداسة : وياللأمر الذي لم يسمع مثيله قط ، فإن الأم السماوية اخذت تملي عليها مايجب كتابته ... إنها صفحات مليئة بالنور، ستبلغ نهايتها في 25 آذار 1727 عندما قالت لها مريم للمرة الاخيرة :"ضعي نقطة! "
"لدينا بذلك سبع سنوات من الكتابات الصادرة من شفتي والدة الله ! "
ومع ذلك فلا نعتقدن بان حياتها اقتصرت حينها على العذوبات الفردوسية.
فقد مضت فيرونيكا في الألم حتى النهاية . تتألم بتجرد شامل ، دون أن تتيقن من إتمامها إرادة الله . إنه تألم جديد غير واعِ، مختلف جدا وأعمق بكثير من ذلك التآلم مع الشعور. هذا هو التآلم العاري !لكن وعيها ارسالتها التكفيرية لايغيب ، بل يأخذ دفعاً جديدا في قولها الثلاثي : نعم ، نعم، نعم ! أكثر ، أكثرا !.
مصلوبة حتى النهاية، سيظل يتدفق من جراحاتها دم حتى 17 أيلول 1726 ، عيد جراحات القديس فرنسيس. لنستفيد هنا من هذا العيد الفرنسيسي للتطرق إلى نقطة على جانب كبير من الاهمية ، حول حب القديسة فيرونيكا للقديسين ، حيث كانت تلجأ إلى شفاعتها بتواتر ، بتواضع وفي كل شيء . من الطبيعي أن يكون للقديس فرنسيس: الاب القديس " وللقدسية كلارا " الام القديسة" المنزلة الاولى . ستنال كل سنة في عيدها نِعًماً خاصة وكان لديها منزلة خاصة للقديس يوسف، للقديسة تريزيا الأفيلية ، للقديسة كاترينا السيانية ،للقديسة روزا من ليما ، ولعديد من القديسين الأخرين كالقديس فيلبس النيري ، أغناطيوس من لويولا، القديس فرنسوا أنطونيوس البادواني، القديس بوناونتورا، القديس فلوريدا شفيع شيتا دي كاستيلو ، القديس يوحنا الحبيب ، القديس أندراوس الرسول الذي كان يطيب لها سلامة الصليب :" أيها الصليب الصالح" . وكان للقديس بولس الرسول الذي كانت تدعوه " قديسي الرسول بولس" ، منزلة فريدة لديها ، كا سنرى لاحقاً.
ولانستطيع أيضا إهمال الدور الهام للملاك الحارس ، الذي لم يغب ابداً عن القديسة فيرونيكا : هو من كان ينهضها عندما كانت تسقط تحت ثِقل الصليب ؛ يحامي عنها عندما كانت الشياطين تهاجمها ؛ يعاونها في ساعات الدينوية الخاصة الرهيبة ، كما في ساعات الاعراس المفرحة ؛ احيانا كان يناولها بأسم يسوع ؛ كان رسول مريم الكلية القداسة لدى القديسة ، عندما كانت الطاعة تفرض عليها أن تتواجد في موضعين في الوقت نفسه : كان يأخذ شكل نور أبيض ، يعمل في غرفة المونة ، يطهو الأطعمة ..
وعندما شارفت على نهاية حياتها ، وقد وصلت إلى قداسة أرفع ، بعث لها بعدة ملائكة حراس يسهرون عليها ، لكونها أضحت عرضة لهجومات جهنمية افظع من أي وقت آخر :" ملائكتي " ، كانت تسميهم في كتاباتها ؛ هم من كانوا يرافقونها في زياراتها إلى جهنم . كانت كثيرى التعبد وعرفان الجميل للملائكة الحراس ، حتى أنها استحقت أن يكشف الله لها الحقيقة المذهلة التالية : عند انتخاب كل حبر أعظم جديد ، تمنحه السماء عشرة ملائكة حراس آخرين لإعادته . إنه خبر أبكى من الفرح والتأثر الطوباوي البابا يوحنا الثالث والعشرين عندما رغب في قراءة ذلك بنفسه .
وإن مِسك ختام عملية الصلب هذه هي الايام الثلاثة والثلاثون الغامضة التي سبقت موتها والتي قد سبق وتنبأت عنها بنفسها للمُعَرف سنة 1694 ، وقد ابتدات في 6 حزيران ، مرفقة باوجاع لا توصف . كان ذلك بمثابة نزاع متواصل حتى 9 تموز 1727 عندما طارت نفسها إلى السماء ، فقط بالطاعة . بالفعل ، فإن الخوات والمُعَرف كانوا يرافقونها دون أن يدركوا كيف أنها لاتزال على قيد الحياة ، تنظر بتوسل إلى الأب المُعَرف . وكانت قد أوصتهنَ قبل ذلك بحفظ قانون الرهبنة العزيز وبالطاعة للمحبة الإلهية ، وبمحبة بعضهنَ البعض ؛ ثم جعلتهن يقبلنَ المصلوب .
فَهِم عاشت دوما بالطاعة لا تستطيع أن تموت سوى بالطاعة.
فمنحها إياها متأثراً ، بين نحيب الأخوات اللواتي راينها تبتسم للمرة الأخيرة :
"أعرف أنك تطلبين مني الطاعة لتموتين . فإن كان الأمر كذلك وإن كانت تلك إرادة الله ، فإني أمنحك الإذن" .
وطارت نفسها المباركة إلى السماء فوراً ، بيضاء كالحمامة !
وقد كانت كلماتها الأخيرة :" الحب كشف عن ذاته ! هذا هو سبب تألمي قولوا ذلك للجميع ، قولوه للجميع !"
"لقد ماتت القديسة ! لقد ماتت القديسة!" هذا ما أخذ يتردد في المدينة وسط تدفق جموع الناس على دوي الاجراس . كل المدينة نزحت ؛ وعندما استطاع أخيراً الشعب دخول الكنيسة ، حدثت فوضى كبيرة لدرجة أنه اضطر إلى أن يكتفيا ببعث موفدين ليتوسلا معونتها وانوارها ؛ فقط"فيولند دو بافيير" حصلت على إذن دخول، فشفيت عيناها فور ما عاينت السمات .
وبدأت سريعا دعوى التطويب ، مع شهادات شفهية من الأخوات ، المعرفين الاطباء... شهادات غير اعتيادية لم يسمع بمثيلها تقريبا . في25 نيسان 1796 تم إعلان المرسوم البابوي لبطولة فضائلها . في 17 حزيران 1804 ، تم تطويب فيرونيكا على يد البابا بيوس السابع ، وقد احتفلت شيتا دي كاستيلو بهذا الحدث بتهافت كبير من المؤمنين المبتهجين بإكرام تلك التي كانوا يعتبرونها فخر الكنيسة ومجد المدينة.
وبعد تاخير طويل ، سببه كل العداوات في الحقل الاجتماعي ، تم تقديسها في 26 أيار 1839 ، من قِبل البابا غريغوريوس السادس عشر ، لمجد الله الآب والابن
والروح القدس . وبما أن إنسان اليوم العقلاني ، يمكنه أن يعتقد بأن كل هذه الظواهر الصوفية الفائقة الطبيعة ، المذكورة في اليوميات ، ليست سوى توهم نسائي فلنسمع لما تقوله الوقائع العلمية والتاريخية : قبل الدفن جمع الاسقف الحاكم طوريجياني" ، الرسام " انجيلوشي"، الطبيب "بورديكا" ، الجراح "جنتيلي" ، ناظر المالية " فبري" كاتب العدل الرئيسي، مُعَرفي الدير ونبلاء المدينة للبدء بعملية التشريح. فأستخرجوا قلب المائتة وفتحوه. كان الجرح عميقا لدرحة أنه كان يخترقه من جانب على آخر . كان متواجدا منذ ثلاثين سنة ، وقد بقيت حية بخلاف كل نواميس الطبيعة ؛ وبدل النتانة التي كان يمكن إنتظارها ، خرجت منه رائحة فردوسية .
فحصلوا القلب : فماذا رأوا ؟ رأوا ، مطبوعة في اللحم ، صورة ذلك الرسم الذي كانت قد رسمته القديسة منذ سنوات ؛ وقد طُبعَ فيه: الصليب ، إكليل الشوك، الرمح والقصبة مترابطين ، الكتابة، المطرقة ، المسامير ، راية المسيح الملك، شعلتان
ترمزان إلى محبة الله ومحبة القريب ، سبع سيوف العذراء المتالمه ، والحرف الأول لكل من إسمي يسوع ومريم ، مع تلك التي للفضائل الكبرى . وأظهر التشريح أمورا أخرى فائقة الطبيعة كالألتواء العجائبي لعظمة الكتف....
هل سجل يوما التاريخ رائعة مماثلة كهذه ؟
أضحت " الاعجوبة الحية" الآن في السماء. وبقيت معنا شفاعتها القديرة جداً ، يومياتها الفريدة ، المدعوة بحفظ الكنز الخفي" جسدها المقدس ، العديد من الادوات العجائبية والتذكارات المقدسة وقناع الشمع الذي خلد ملامح وجه القديسة لحظة موتها .
أيها القراء ، أسرعوا إلى زيارتها ، إلى معرفتها ، إلى طلب شفاعتها ومحبتها ! إنها مستحقة ذلك فعـلاً ! يمكن أن يكون ذلك من اهم احداث حياتكم.