القديسة العظيمـة فيرونيكا جولياني ج4
وبما أننا سنشير إلى بعض إماتاتها الإختبارية لاحقاً ، فلنلقِ الآن نظرة سريعة على ماطلب منها عريسها المصلوب ، ومنحها إياه ليجعلها أكثر اتحادا وشبهاً به، داخليا وخارجياً. يستحيل علينا إيراد الحد الأدنى الضروري لجعل القارئ الورع ينغمس في اهمية الثنائي "حُب ــ ألم" في حياتها ، حيث ستردد مراراً : "إن مدرسة الُحُب، الحب الحقيقي ، هي الألم.... والكتاب ليس سوى يسوع المصلوب".
لذا هوذا فقط لائحة ببعض النقاط ، نأمل أن تكون حافرزا على قراءة كتب أكثر إسهابا حول حياة القديسة :
ــ سألها يسوع ألا تغتذي إلا به(وسمح لها بالمناولة يوميا في حين كان المسموح بها مرتين في الاسبوع). وأمام رفض المسؤولين، عدلها الرب إلى خبز وماء. ولما لم يتم الحصول حتى على ذلك، جعل معدتها ترفض وتتقيأ أي طعام آخر ، إلى أن وافق الرؤوساء.
ــطلب منها السَير حافية القدمين ؛ وامام رفض السلطة الني تخشى التفرد، انتفخت قدماها بشكل غير قابل للتفسير. أقر الطب بعجزه عن شرح هذه الظاهرة أو مداواتها، فسقطت الموانع ، ونالت الموافقة.
ــ جعلها تتجرع عدة مرات كأس مرارة بستان الزيون ، فأضحى كل مايحيط بها مُراً بشكل مميت: الطعام، الماء، الهواء..... حتى إنها غابت عن الوعي... ووصلت إلى ذرف دموع من دم.... والى ارتفاع حرارتها إلى مستوى يهددها بالموت.
كللها يسوع بالشوك مرات عدة مُسبباً لها انتفاخاً غير طبيعي في الرأس ، لم يستطيع الأطباء سوى زيادة خطورته باساليبهم الطبية المؤلمة.... أشواك دخلت الجمجمه ، الراس، الصدغين ، الأذنين ، العينين.. حتى إنها سقطت أرضنا كالمائتة:" ستشعرين بهذه الأشوال طيلة حياتك تقريبا" قال لها يسوع وهو ينهِضـُها .
ــ تحملت جَلداً بأيدِ غير منظورة حتى سالت دماؤها أرضاً...
ــ وضع يسوع صليبه الثقيل للغاية على كتفها، حتى إن العظام بقيت ملتوية مدى حياتها ، كما سيؤكد التشريح لاحقا....
ــــ تكرار" الاعتراف العام" الصوفي الرهيب، حيث كان قلبها ينفطر لرؤية كل إهاناتها لله، شاعرة بقلق مميت كانت تـُقدمه لارتداد الخطأة خاصة الذين يجدون صعوبة في التقدم من سر الاعتراف إنها صفحات تستحق أن تـُقرأ، وأن يتم التأمل بها.
ــوفي لائحة من النِعًم الخاصه نالتها من الرب ، نجد مايلي :
خمسمئة مرة جدد لها يسوع ألم القلب المطعون بالحربة، جارحاً إياها مئة مرة بجرح خفي( واحياناً منظور، بشهادة الأسقف، والطبيب..)
ثلاثاً وثلاثين مرة جعلها تختبر عذابات الآلام بكليتها، شاعرةً بالأوجاع التي قاساها هو: نِعمة لايمنحها إلا للنفوس المختارة المميزة. عشرون مرة ظهر لها في الجسد، مُـثخن بالجراح، ينزف دماً .
لكننا نجد ايضا التعزيات :
*ستون مرة جدد لها الاحتفال بالاعراس الإلهية.
* حرر يده عن الصليب ليضمها إليه ثلاث مرات,
*ألصق فمها على جرح قلبه تسع مرات.
*أعطاها شرابا منعشا من جنبه الأقدس خمس مرات.
* غسل قلبها بدم قلبه خمس عشرة مرة.
*نزع منها قلبها عشرة مرة ليطهره من أدنى لطخة.
*ضم نفسها مئتي مرة إضمامة حُب، ماعدا الإنضمامات الاخرى المنيرة التي هي
شبه دائمة.
*نورها مرات لاتحصى بأنوار داخلية حول الفضائل والأسرار، وحول معرفة
الله ومعرفة ذاتها.
وتنتهي إلى القول:" لِمَ إحصاء النِعَم الممنوحه ؟ لن ننتهي من عدَها". هذا ومايزال لديها ست وعشرون سنة تعيشها.
ولكيما نقدرها حق التقدير، نذكر أن أعظم القديسين والقديسات المتصوفين قد عاشوا فقط، لبضع مرات ، ماكانت تحياه هي بتواتر وبإلفة.
وبالرغم من هذاالتألم المتواصل، ومن عدم استطاعة الأسقف والمعرف احتمال متابعة شهادتهما العيانية، وقد إضطرا إلى الهروب أمام هَول بعض مشاهد الآلام التي تجددت فيها، فإن يسوع فادينا ومخلصنا المحبوب واللطيف للغاية قد قال لها:"إن الآمك ليست سوى شرارة من أتون آلامي" .
يالعظمة الحب الإلهي ! علينا فعلا أن نبقى صامتين ومُنسحقين أمام مقدار حب الله لنا، المتجلي في الإلم العظيم الذي أراد يسوع المسيح، الإله الحق والانسان الحق ، أن يتألمه من اجلنا. فلنسأل الله ولنتوسل إليه، بإستحقاقات مريم المتألمه والكلية القداسة ، وبحق عذابات القديسة فيرونيكا ،أن يمنحنا نِعمَة النِعَم :"أن نمقت الخطيئة بتأملنا نتائجها الفظيعة فينا وفي البشرية بأسرها" .
نشير هنا إلى أن الأب يستيانلي ، مـُعَرف الدير حينذاك ، كان قد أعطاها في نسان 1693 ، أمر الطاعة ببدء تدوين" اليوميات" ، طاعةِ سوف يعيد الأسقف تثبيتها .
ستبلغ إذاَ هذه المرحلة ذروتها في الخامس من نيسان من عام 1697 ، يوم الجمعة العظيمة ، بِنَيلها السمات الظاهرة : سوف تخرج من يسوع المصلوب خمسة أشعة كسهام محترقة وتخترق يديها ، رجليها وجنبها، فتجعلها مصلوبة مع عريسها المصلوب .
(صورة، انها الموسومة الوحيدة في الفرع النسائي للرهبنه الفرنسيه)
الفصل الثالث
الأستنـــــارة( 1697ــــ 1717)
سجل نـَيل السِمات ، المشروح بالتفصيل في اليوميات ، لدى فيرونيكا جولياني ذروة مسيرة التشابه المشغوف والمحسوس بالمسيح المصلوب ؛ وسجل في الوقت عينه نقطة إنطلاق مسيرة ثانية، معاكسة نوعاً ما ، مسيرة تعمق داخلي ، أو بالأحرى " تجوهر( (Intrinsecazinone، ساعدها فيها دون شك مُعَرفو الديـر.
كم ساهم بشكل فعال في إحدى هذا التبدل ، كافة التذليلات التي سمح بها الله منذ تدخل محمكة التفتيش(بعد ظاهرة السِمات)، وأخذ روما على عاتقها مهمة تمييز
مايحدث مع موسومة شيتا دي كاستيلو . سيقول لها الرب في آب 1697 :" تـَهيئي للعذاب الكبير" فرأت ذاتها تــُخضع لأمتحانات وفحوص مزعجة للغاية. فتـَمَ إقصاؤها عن وظيفتها كمعلمة إبتداء ، بعد بضعة أشهر ، كما حُرمَت في تموز 1699 من حق التصويت ، وتم سجنها في المستوصف لمدة 50 يَوما مع انقطاع كامل عن اي اتصال.
وقد أضحت تدابير محكمة التفتيش أكثر تطلبا 1700 ، ومن جديد سنة 1703 . لايمكن لعقل أن يـَعي تقريبا ما أظطرت إلى تحمله خارجيا وداخليا . لكن كل شيء سيتضح ويسكن شيئا فشيئاً بفضل تواضعها وطاعتها الكبيرين . وقد كان هدوؤها الرصين في قبول تلك الأستجوابات والأختبارات المزعجة ماأقنع الجميع بأن الله هو الفاعل فيها ، حتى ولو بشكل يـُربك العقـل.
لم يكن من الصعب إثبات استقامة الأخت فيرونيكا وصدقها ،لكن بقي الشك في كَون كل ذلك من فِعُلُ الله أم من خدعُ الشيطان . فالعلامة الاكثر إطمائنانا التي أعطت الضمانة بأنها من صُنعُ الله ، كانت دون شك نور مَعرِفتها لذاتها ، وتوجعها وندامتها على خطاياها ، فقد كانا يزدادان تعمقا لديها بعد كل ظاهرة صوفية.
بدأ كل ،" يتجوهر" تدريجياً بفضل دعوة مُلحة كانت تشعر بها فيرونيكا في داخلها .أولاً أسلوبها في التأمل بآلام المسيح ومشاطرته إياها ، حيث أخذت تتجه نحو آلام الداخلية أكثر منه نحو آلام الفادي الجسديه.... ثم أسلوبها في التآلم ، دون تدين مستواه : فقد اضحى الآن هذا" العذاب الجديد" عذابا مُرفقاً بالشعور ، أكثر حميمية ، أكثر خفاء ، مُرفقاً بمقدار أدنى من التعزيات ، حتى الروحية منها.
وسيتجوهر التوق القاسي إلى " تهشيم الجسد حتى الاضمحلال كليا ، بعد بضع سنوات من نَيل السمات . لن يبقى سوى بعض الحنين الذي ستسيطر عليه دون صعوبة . كتبت القديسة في أيار 1699 :" أردت الخروج من القلاية للقيام بإماتة ما ، لكنني ألهمتُ بعدم الخروج . وعندما أصبحت الأمً المسؤولة ، سهرت على أن تقتني الأخوات الشابات " التوازن والفطنة لرغبتهمَ في الاماتة" .
ستحصر إماتاتها من الآن فصاعداً في كبح صارم لإرادتها الذاتية ، لحب الذات لأي إرضاء شخصي ، وفي هِبة الذات السخية للأخوات المُشكلات الجماعة من خلال أعمال الخدمة.
فبينما كانت قبلاً تضاعف الصرامة في وجه مُتطلبات" بشريتها" ، تـُفاجئنا الآن أحيانا بتعابير كهذه :" كنتُ أشعر ببشريتي مُرهقة ومحتاجة لقليل من الراحة لكيما تتمكن من القيام بمهام وظيفتها" .
طيعة للتوجيه الروحي المُعطى لها من قِبل المُعَرفين أخضعت كل كيانها الروحي لإعادة نظر شاملة مبتدئة بحياة الاسرار والصلاة، لتصل من ثم إلى الفضائل الأساسية . ففي يومياتها لسنة 1700 نجدها تردد عبارات كهذه :" لم أعرف يوما أن أصلي ..." أجد ذاتي مجردة من كل الفضائل.... ليس في ظل فضيلة.. لم امارس المحبة الحقيقية قط.... لم أمارس يوماً التألم الحقيقي.. لا المحبة بالكلام بعد اليوم ، بل بالاعمال والافعال... أريد تبديل حياتي " . أضحت الاستنارة حول نقائصها الشخصية عملا متواصلا ، كما أضحت ملحة ضرورة التجدد الجذري.
في هذا التطهير ، سنرى الأهمية التي تعطيهت لسر الاعتراف ؛ وسنراها تعترف ايضا أكثر من مرة خلال بعض الايام