مفهوم الخير والشر حسب اللاهوت المسيحي
الجزء الثاني
(منقول)
بقلم: يوحنا بيداويد
5- الخير والشر في كتابات القديسين الكبار:-
اولاً- مفهوم الخطيئة الاصلية في كتابات القديس أُوغسطينوس:-
القديس أُوغسطينوس اعتمد في تفسيره لمفهوم الخطئية الاصلية على الكتاب المقدس - العهد القديم (سفر التكوين الفصل الثالث) وكذلك على رسالة القديس بولص الى اهل الرومية (الفصول 5-7). فيرى القديس اُوغسطينوس بما أن آدم هو أب الاول للبشرية، ولانه أول إنسان خلقه الله على الارض فهو يتحمل مسؤوليتها، حيث كان اول انسان يرتكب خطيئة المعصية (عصيان اوامر الله). وبسبب الخصوصية المميزة له في الفردوس فإن الاجيال اللاحقة ورثت الخطيئة منه . كما يرى القديس اغسطينوس إن التجامع الجنس وعملية التكاثر لم تكن موجودة في صلب الطبيعة البشرية أبداً، بل انها نتيجة لخطيئة المعصية لاجداد البشر (آدم وحواء)، وبما إنها نتجت عن الخطيئة فهي تقود حتماً إلى الخطيئة، وإن كل إنسان يولد بسبب الشهوة وبالتالي فهو ثمرة الخطيئة. وهكذا ولد مفهوم الخطيئة الأصلية أي الخطيئة الأولى التي ارتكبها الإنسان الأول (القديس أوغسطينوس هو اول من دعاها بالخطيئة الاصلية). هل هذا التفسير صحيح؟ ان هذا السؤال يواجه رجال الدين ومعلمي التعليم المسيحي يومياً. لماذا لم يتم التطرق عليه من قبل بقية اباء الكنيسة قبل القديس أوغسطينوس او بعده بفترة طويلة؟
الجواب هو،إن الذين يدرسون تاريخ الهرطقات والبدع التي ظهرت في القرون الولى من المسيحية ( سنتطرق الى هذا الموضوع في الفصل الرابع (الهرطقات والبدع التي ظهرت في القرون الاولى من المسيحية) يعرفون بيلاجيوس بالتأكيد ( )، الذي ادعى أن الطبعية الإنسانية ليست خاطئة أو فاسدة عند ولادتها كما ظن القديس بولس في رسائله، وأنها بالتالي تستطيع الحصول على النعمة والخلاص ودخول ملكوت السماء بأعمالها الحسنة او الخيرة . وكنتيجة لهذا الرأي يمكن أن يتم الخلاص بدون مجيء يسوع المسيح الى هذا العالم ، ولم تكن هناك حاجة لصلبه وموته، أي بطلان اهمية سر الفداء الذي قام به يسوع المسيح من خلال موته على الصليب من اجل مغفرة الخطيئة الاصلية، وعدم جدوى لسر المعموذية في حياة اي انسان، وان يسوع المسيح في هذه الحالة لم يكن سوى معلم او مصلح للبشرية كغيره.
رد القديس أوغسطينوس على هذه الفكرة بشدة، وكانت نتيجة رده ظهور مفهوم الخطيئة الاصلية او خطئية الاولى للانسان. إلا أن بعض اللاهوتيين اليوم يرون فيها شيء من التطرف، حيث حملت آدم وحده مسؤولية اي نزعة او ميلان الى الخطيئة في الإنسان، من جانب اخر نرى إن بعض الآباء الذين اتبعوا نهج أو تفسير أوغسطينوس ، لم يكتفون بتحميل آدم مسؤولية ولادة الخطيئة الأصلية بل اعتبروها مصدر كل الشرور في الطبيعة.
ثانياً- مفهوم الخير والشر في لاهوت توما الاكويني:-
على الرغم من اتفاق القديس توما الاكويني مع القديس اغسطينوس بأن للخطئية علاقة مع نِية او قَصد فاعلها، إلا انه لا يتفق معه على أن عمل الشر يتحول الى عمل الخير بمجرد وجود نية حسنة لدى الفاعل( ). لكن القصد او النية هو شرط اساسي بان يتحول العمل الخير الى خير حقيقي. ويرى القديس توما الاكويني بأن طريق نيل حياة القداسة هو التخلي عن الخيرات الارضية والبحث عن حياة القداسة التي هي الحياة مع الله والتي لا تتحقق الا بتسخير الحياة الارضية لخدمة الله كاملة.
6- النظرة اللاهوتية المعاصرة لخطئية ادم وحواء:-
كما قلنا سابقاً هناك العديد من الاسئلة تواجه رجال الدين والمثقفين حول الخير والشر ومصدرها. من اهم الاسئلة وهل خطيئة ادم وحواء حدثت بالفعل؟ ما هو التفسير اللاهوتي المعاصر لها ؟.
حسب الكتاب المقدس (الفصل الثالث من سفر التكوين- قصة الخلق)، أن الله خلق آدم وحواء ووضعهما في فردوس عدن وأمرهما منهما أن لا يأكلا من ثمار شجرة معرفة الخير والشر، وبعد ذلك نعلم أن آدم وحواء أكلا من ثمار الشجرة، وحصلت الخطيئة المعصية او الخطيئة الأصلية.
معظم اللاهوتيين لا يفسرون قصة الخطيئة الأصلية التي حدثت قبل حوالي ستة آلاف سنة ( ) والتي كتبت بعد ذلك بقرون طويلة بنفس العقلية التي يفسرها الانسان الآن في الالفية الثالثة.
لذلك عند دراسة موضوع اصل الخير والشر في المسيحية يجب الاخذ بالملاحظات المهمة التالية:-
اولا- لقد اصبح من المؤكد لدى علماء الكتاب المقدس إن الوصف الذي يعطيه كاتب سفر التكوين في سفر التكوين ، ليس وصف لحدث تاريخي بالضبط، ليس وصف لعملية خلق الله للكون والإنسان كما كان يظن سابقا (وكأن الكاتب كان يراقب ماذا عمل الله في الايام الستة الاولى) . إن الله لم يخلق ادم وحواء لوحدهما، وإن مسيرة الحياة على الأرض هي أكثر تعقيداً مما ذكرها كاتب هذه القصة. وان شخصيتي كل من آدم وحواء رمزيتان لكل البشرية المخلوقة.
ثانيا- كاتب القصة أراد فقط أن يعلم البشرية التي كانت تعيش في زمانه بأن الآلهة الوثنية هي آلهة زائلة باطلة، وإن الخالق الحقيقي للعالم هو الله الذي لا نراه ولانلمسه ولكننا نعرفه عن طريق العقل او الفكر.
ثالثا- كانت بعض الرموز المستخدمة في القصة موجودة في أساطير شعوب المنطقة مثل الحية وشجرة معرفة الخير والشر وشجرة الحياة. استخدمها الكاتب في وصفه لكن لم يقتبسها بنفس المعنى بل اعطاها لاهوتي جديد .
رابعا- إن يسوع المسيح لم يتطرق إلى الخطيئة الأولى انما عمل على إزالت الخطئية من هذا العالم . وهناك مثل مهم جدا ضربه يسوع المسيح ، يشرح فيه ان الخطيئة هي نتيجة القرار الخاطئ للانسان،هذا المثل هو مثل ألابن الشاطر الذي فيه اراد يسوع المسيح ان يقول كل انسان خاطئ يستطيع العودة الى الجنة التي خرج منها آدم وحواء عن طريق قبوله إرادة الله وخضوعه له.
خامسا- إن الإنسان المسؤول عن أعماله، هو الذي يقرر ماذا يعمل، فنحن لسنا مسيرين بل مخيرين. وإن الإنسان هو الذي يقرر فيما اذا كان يريد العيش مع الله أي في حياة النعمة او ان يعيش بعيدا عنها ، وانه يستطيع أن يغلب التجربة فهي ليست فوق طاقته.
سادسا- المحصلة النهائية هي ان الخطيئة هي رفض الله، والتوبة هي الاعتراف بالله.
7- الخطيئة الاولى في رسائل القديس مار بولس:-
يوضح القديس بولس في رسالته إلى أهل رومية 5/12- 19، أن الخطيئة دخلت إلى العالم بشخصٍ واحدٍ وتم التخلص منها بشخصٍ واحدٍ. وعلى هذه الأفكار بنى القديس أوغسطينوس فكرته عن الخطيئة الأصلية.
وفي نفس الرسالة ( رومية 7/7- 25)، يصف القديس بولس حالة الخاطئ وحالة اليأس والعبودية والضياع التي يدخلها من العدد 14-25 :"اني لا أعرف ماذا أعمل. فما أريده لا أفعله، وما أكرهه إياه أفعل. رومية7/15" ويضيف "أريد أن أفعل الخير، وإذا الشر حاضر لدي. رومية7/21 "
ولكن القديس بولس يعطي الحل الشافي، بالايمان والتعميذ باسم الرب يسوع المسيح يمكن للإنسان ان ينال النعمة وأن يدخل الى الملكوت مرة اخرى . ويتحدث القديس في نفس الفصل عن الشهوة والناموس وكأنه يقارن بين حالته وحالة آدم وحواء. في العدد 7/13 من نفس الرسالة يتكلم بولس عن الناموس والخطيئة فيسأل : "أوَ يكون الناموس خطيئة؟ كلا وحاشى. بيد إني ما عرفت الخطيئة إلا بالناموس، وما عرفت الشهوة لو لم يقل الناموس: لا تشته. فإذن اتخذت الخطيئة بالناموس سبيلاً، فعلت فيً كل الشهوة، لأن الخطيئة بدون ناموس هي ميتة."
باختصار فإن الخطيئة تولد من الشهوة، وفعل الشهوة يعاكس الالتزام بالوصية ، والإنسان يحتاج إلى السيطرة على شهواته وإلا كان خاطئاً دائماً. وان حدث اخطأ فهذا لا يعني انه اصبح خاطئاً الى الابد ، فهناك مجال للتوبة أو المصالحة والاتحاد مع الله و العيش في حياة النعمة.
هناك مجموعة من الاسئلة الخاطئة او عديمة الاهمية في نظر اللاهوت المعاصر تطرح من قبل المؤمنين وغير المؤمنين: -
1- ماذا كانت خطيئة ادم وحواء في الفردوس؟ هل كانت خطيئة الزنى ام خطيئة من نوع اخر؟.
2- كم من سنة عاش آدم وحواء في الفردوس قبل الخطيئة؟ وكم سنة عاشا على الارض فيما بعد؟.
3- أين كان الفردوس؟ واين كانت جنة عدن؟.
4- هل كان آدم وحواء معرضين للعذاب والموت قبل الخطيئة الأصلية؟ وهل من العدالة ان يطردهما الله بمجرد اكلهما من ثمار الشجرة؟.
5-كيف يمكن ان يخلق هذا الاله الكامل والصالح الانسان لا يتعذب ولا يموت، لكن بعد قيامه بخطئية بسيطة واحدة يعاقبه بالعذاب والموت؟.
ان جميع هذه الاسئلة هي خاطئة لانها مبنية على منطلق خاطيء. لان الناس تتصور ان ادم وحواء فعلاً كانا شخصيتين حقيقيتين وجدتا في التاريخ، بينما في الحقيقة لم يكونا سوى رمزين لكل البشرية.
ان معظم اللاهوتيين وعلماء الانثروبولوجيا وكل مصادر المعرفة الانسانية الحديثة تجمع على نتيجة واحدة، هي ان انسانية الانسان لم تكتمل الا بعد مرور ملايين من السنين. هنا يطرح السؤال نفسه في اي مرحلة من مراحل تطوره ارتكب الانسان الخطيئة المعصية التي جلبت الالم و الموت والمصائب و العذاب والمرض على الانسان؟. ان هذه الاسئلة كلها تسقط من فكرنا ويزول معها الشك عند كل انسان ، اذا عرف حقيقة قصة الخطيئة الاولى ورمزها. اما لماذا كُتِبت بهذه الصيغة؟. الجواب كما قلنا في البداية متاثر بطبيعة وثقافة المجتمع انذاك، ولكن يظهر واضحاً من النصوص ام كاتب السفر ركز على اخراج فكرة وجود خالق واحد للعالم، غير مادي ومسير الكون، ولا يوجد شر في خليقته لذلك قال:"ورائ الله جميع ما صنعه فإذا هو حسن جداً. سفر التكوين 1/31" اي كل شيء في العالم متناسق، ولا يوجد فيه اي شر.
ثامناً:- الشر الطبيعي والشر الادبي:-
يقسم اللاهوتيون الشر الى نوعين هما الشر الطبيعي والشر الادبي
اولاً- الشر الطبيعي:-
فسر القديس اوغسطينوس الخطيئة على انها النقص في الطبيعة. وبقت هذه النظرة سائرة في الكنيسة لقرون طويلة. ان هذا يعني وجود حدود لامكانية البشرية، فهي محدودة طبيعياً ولذلك لا يستطيع الانسان مثلاً ان يتنبأ بأحداث المستقبل، فهو لا يستطيع ان يوقف مرضه وموته، ولا يوجد هناك انسان يستطيع ان يقوم بكل ما يفكر فيه او يتمناه. كل هذا لان طبيعتنا الانسانية محدودة الامكانية.
ومن جانب الاخر يكرر الانسان السؤال التالي على نفسه: لماذا لم يخلق الله طبيعتنا الانسانية او الطبيعية (العالم) غير ناقصة ، اي غير معرضة للموت والعذاب؟
كن جواب اللاهوتيين على هذا الموضوع حاسماً، حيث يقولون: " لو وجدت طبيعتنا بدون الم او مرض او نقص،اي غير معرضة للموت او العذاب، لكانت طبيعة غير مخلوقة، بل طبيعة مشابهة لطبيعة الله، لا بل مساوية الى الطبيعة الالهية، اي يكون البشر والله متساويين في الجوهر والطبيعة، وهذا امرمستيحل"( )
بكل كلمة اخرى لو كانت طبيعتنا مولودة غير مخلوقة يعني لنا نفس الطبيعة الالهية، فسيكون مفهوم الخلق ملغياً، ولما وجدت الاشياء في هذا الكون بهذه الصيغة او في هذه الطبيعة لاننا والله كنا واحدا (الفلسفة الحلولية). اذن المشكلة هنا هي في مفهوم الخلق والولادة. نحن نعرف اننا جزء من الطبيعة التي نعيش فيها، لاننا نأكل ، نشرب منها، نتعامل معها ونجد علاجاً لامراضنا من مكونات هذه الطبيعة، اي اننا مخلوقيين فيها. اما مصطلح الولادة فإنه لا يعني نفس المعنى الذي يعطيه قانون الايمان المسيحي، ذلك المصطلح استخدمه اباء الكنيسة في المجتمع المسكوني الاول في نيقية 325 م في قانون الايمان "مولود غير مخلوق" للتعبير عن تجسد يسوع المسيح وولادته من مريم العذراء.
اما لماذا لم يخلق الله الانسان مثل طبيعته كاملة، غير معرض للموت والعذاب؟ هذه الفكرة خطرة جدا وقد توصل بالبعض الى موقف الإلحاد، اي نكران الله وقداسته، فهؤلاء يرفضون إلهاً كاملاً يخلق انساناً محدوداً ومعرضاً للموت والمرض ، ولا يؤمنون بوجوده. هذا الموقف هو الحاد بذاته، لانه يرفض ان يكون الانسان انساناً، اي انه يرفض ان يكون خليقة محدودة في طبيعتها، وقد يكون سبب ظهورالالحاد هو امتلاك للانسان الحرية.
إن في اعماق الانسان رغبة وإرادة في الارتفاع الى مستوى الله منذ بداية التاريخ (قصة الخليقة). يمكن استنتاج ذلك من التعابير الموجودة في العهد القديم عن شجرة معرفة الخير والشر وشجرة الحياة او بذرة الحياة في ملحمة كلكامش. كما نرى ايضا في العهد القديم ، كيف ان الحية قالت لحواء وآدم :"إنهما بعد تناولهما الثمرة سيصيران كالآلهة يعرفان الخير والشر". ولكن قد يسأل البعض : اين الرجاء في المسيحية؟
إن الخطيئة الاولى حدثت في الاسلوب او الطريقة التي إتبعها آدم وحواء للوصول إلى قداسة الله، فقد اتبعا طريقاً مخافة لطريقة التي ارادها الله، والتي هي حب الذات فقط، اي الانطواء على الذات، بينما الله يريد من الانسان محبة شمولية كي يصل الانسان الى القداس، فهكذا رفض الانسان طبيعته المحدودة. و لازالت هذه الرغبة مستمرة عند الانسان لحد الان ، وربما تكون هذه الظاهرة موجودة الان بين البشر اكثر من اي وقت مضى، وتبدوا شواهدها في بعض المظاهر الزائفة لحضارة اليوم. فإذن الخطئية موجودة في الطبيعة التي نحن جزء منها.
ومن هذا المنطلق يكون تفسير اوغسطينوس لمفهو الخطيئة ووجود الشر على انه النقص في الطبيعة معقولاً. لكن هل اكتمل الخلق كما يسأل احد اللاهوتيين؟وهل خلقنا الله في طبيعة ناقصة و تركنا لا يرحمنا؟ هل فعلا لا يتدخل في العالمن بعدما خلقه؟ ولماذا ارسل الانبياء وقبل بتجسد الاقنوم الثاني من ثالوثه المقدس- يسوع المسيح.
ان الجواب على هذه الاسئلة واضح من خلال موقف الله، حيث ارسل لبنه الوحيد( يسوع المسيح) الى العالم ليتجسد، ليشارك بطبيعة الانسان التي قلنا إنها محدودة ليرفعها الى مرتبة القداسة. فيسوع الابن عمل على ازالة الشر، وفي موته وقيامته انتصر على الموت، واقام معه الانسان الميت الى الحياة الابدية او النعمة. في انجيل يوحنا ، يسوع المسيح يجاوب على هذا السؤال حينما يسأله تلاميذه عن الرجل الاعمى: "يا معلم من اخطأ أهذا الرجل ام والداه حتى ولد اعمى . يو 9/2-4" . كأن التلاميذ كانوا يسألون : هل الموت والمرض وسائر الشرور الطبيعية هي نتيجة لخطئية الانسان الاول؟.
كان جواب يسوع المسيح لهم بالنفي:" لا هذا ، ولا ابواه اخطا، وانما لتظهر اعمال الله فيه" كأنه يقول ان السبب في ولادته اعمى يرجع الى الطبيعة الناقصة التي امتلكها الانسان ، هنا لابد من التأكيد مجددأ انه لا يوجد انسان كامل، وكل شخص لديه نقص ما في جسده مثل هذا الاعمىالاعمى مخلا المسيح. اما ما يقصد بالعبارة :" ان تظهر اعمال الله فيه" هو ان الله لا زال يعمل في خليقته ويتدخل فيها ولكي يكشف اللهن عن نفسه. وكأن يسوع المسيح بشفاء ذلك الاعمى امام الاخرين مثلا لهم ليفهموا ويدركوا قدرة الله وتدخله في خلقه حينما يريد.
ثانياً – الشر الادبي:-
اللاهوتيون يقولون اذا كان الشرالطبيعي ناتجا من طبيعة الانسان المحدودة، فأ، الشر ه الادبي ناتج عن سوء استعمال الانسان لحريته. إن الله لم يخلق اللانسان خاطئاً بل خلقه حراً، وفي الحرية يكمن مجال قيامه بالخطيئة، وليس يالضرورة الحرية تقوده الى الهلاك ب تفتح الحرية المجال امام كل انسان ان يصبح قديساً.
لقد خلق الله الانسان حراً، لذلك لديه الامكانية للعمل في الابداع والاختراع والابتكار وتنظيم شؤون الحياة، لديه الحرية والامكانية لمعرفة الحقيقة او البحث عنها. إن الله لم يخلقه خاطئاً رغماً عنه، ولم يخلقه الهاً كاملاً رغماًعنه بل خلقه حراً وعاقلاً يميز بين الخير والشر . الحرية ليست مجرد امتلاك حق الاختيار بين الخير والشر، بل هي امكان الاسهام في بناء الذات ومن ثم بناء العالم المحيط به عن طريق اعماله ومشاركته الايجابية. إن من يختار الشر يظن في نفسه يعمل من اجل ان يصبح حراً، إلا انه في الحقيقة يختار ان يصبح عبداً للشر حسب قول المسيح:" كل من يعمل الخطئية هو عبد للخطئية يوح 8/34".
إذن هناك علاقة مهمة وكبيرة بين الحرية والمسؤولية في نظر اللاهوت المسيحي، ومسؤولية كل انسان تزداد بزيادة الوعي والمعرفة لديه، فالطبيب مثلاً لا يعطي الدواء للمريض بدون معرفة مرضه اوتحاليله، بينما الانسان الجاهل او الامي يتجرأ تناول اي دواء لانه يظن انه سيؤدي الى شفائه.
لكن الخطيئة هي سبب ولادة الناموس كما يقول القديس بولس في رسالته الى اهل رومية (7/13)، وهنا لا بد من التأكيد مرة اخرى الى ان الخطئية لا بد ان تحدث في حياتنا اليومية لان طبيعتنا وطبيعة عالمنا غير كاملة. ولكن الاهم هو كيف يتم الغاؤها، او تجنب السقوط فيها؟.
ان العالم الذي يعيش فيه الانسان هو عبارة عن مختبر، ولدى الانسان معرفة منقولة بالوراثة او بالفطرة او متوفرة له، وان الله اعطى الانسان الحرية والامكانية لاكتشاف وبناء الطبيعة والتوجه إليه . في هذا المختبر لا بد ان يجري الانسان بعض التجارب لمعرفة مكونات هذا العالم وخواصه والطريق الاصح للعيش بحسب ارادة الله فيه، كي يكون عمله موازياً لارادة الله و مشاركا في تطور العالم.
إذن بسبب الطبيعة الناقصة يمكن ان يقع اي شخص في الخطاُ ولكن ذلك لا يعني ان ذلك الشخص قرر قراراً نهائياً تبني الشر والمضي وراء الشرير والخطئية والانغلاق على ذاته. فمن هنا كان للقصد او النية او المعرفة لها علاقة كبيرة بالخطئية وعقوبتها. وهذا ما جعل اللاهوتيون يضعون مقارنة بين شخصيتين مهمتين في تاريخ الانسانية: الانسان الاول (ادم) الخطايء ،والانسان الثاني(يسوع المسيح) المخلص الذي قام بسر الفداء.
نظرة آدم الاول الى القداسة:-
يقصد اللاهوتيون بهذه النظر، نظرة الانسان القديم (آدم) ، التي كانت تكمن في نظرته الخاطئة (الناقصة) الى ما يعطي الحياة او يُكملها معتدماً على ذاته ورغبته، حيث ظن بخضوعه الى ارادة الله سوف يجد الموت وتتوقف امكانية حصوله على الحرية، وان مقاومته لارادة الله هي السبيل لايجاد الحياة او البحث عن الحياة الخالدة.؟؟؟؟
نظرة آدم الثاني الى القداسة:-
يعنى اللاهوتيون بهذه النظرة موقف يسوع المسيح الذي قبل الموت من اجل الاتحاد مع الله من اجل ايجاد الحياة بعد القيامة، فالمسيح مسح خطئية ادم، والروح القدس يجدد الانسان من داخله يوم عماذه، ويتحد مع الله. ومن هنا فإن اللاهوتيون يؤمنون بأن يسوع المسيح هو السبيل الوحيد الذي لا بد ان يسلكه كل الانسان اذا اراد تحقيق ذاته. فمن خلال قبول المسيح للكأس (اي الموت على الصليب) التي هيأها له ابوه السماوي له حقق الخلاص لكل البشرية. لكن آدم وحواء كانت رغبتمها بالخلود هي سبب قيامهما بخطئية العصيان.
وفي الختام يمكن القول ان يسوع المسيح عمل على ازالة الشر والخطئية من العالم بقبوله وانصياعه لإرادة ابيه السماوي، فكل انسان في هذا العالم مدعو الى السيطرة على رغباته وغرائزه، مدعو الى ان يصبح مسيح ثاني للازالة الخطئية والشرور من العالم من خلال مواقفه الايجابية البناءة للحياة والتزامه بتعاليم كتاب المقدس، مدعو الى ممارسة الحرية التي منحها له الله بضمير حي ومسؤولية كبيرة. ولا شك ان الحرية بدون شعور بالمسؤولية تقود الى العبثية التي هي منبع كل الشرور في العالم اليوم.
المصادر:-1
- د. هادي فضل الله ، مدخل الى الفلسفة، دار المواسم، الطبعة الاولى، بيروت ،2002.
2 - خزعل الماجدي، اديان ومعتقدات ما قبل التاريخ ،، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، 1997.
3 - الاب هنري بولاد اليسوعي، الانسان والكون والتطور بين العلم والدين،دار المشرق،بيروت، 2004.
4 - المطران كوركيس كرمو، الانسان وااله ،الجزء الاول، مؤسسة اورنيت للطباعة والنشر، مشيكان،1987.
5- د. حسن حنفي، نصوص من الفلسفة المسيحية في القرون الوسطى، 2005، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت.
6-التفسير التطبيقة للكتب المقدس،التعريب (شركة ماستر ميديا)، القاهرة،1998.
7-روبير بندكتي ،التراث الانساني في التراث الكتابي، دار المشرق،بيروت،1987.
8- الدكتور على الوردي،الاحلام بين العلم و العقيدة، الطبعة الثانية، دار كوفان، لندن، 1994 .
9- المطران سليم بسترس، اللاهوت المسيحي والانسان المعاصر،الجزء الاول، منشورات المكتبة البولسية، بيروت،1989.
10- المرشد الى الكتاب المقدس، مجموعة من العلماء واللاهوتيين في الكتاب المقدس، دار الكتاب المقدس في الشرق الاوسط ومجلس الكنائس في الشرق الاوسط، الطبعة الثانية، لبنان، 1995.
11-: د. حربي عباس عطيتو، ملامح الفكر الفلسفي والديني في مدرسة الاسكندرية القديمة، دار العلوم العربية، بيروت، 1992.
12 - عبد القادر صالح، العقائد والاديان،دار المعارف، بيروت،2006 ، ص248
13- S.E. Ffrost, Jr Basic Teaching of the Great Philosophers, Doubledy, New York,1962
14- بيتر كونزمان واخرون، اطلس الفلسفة، ترجمة د جورج كتورة، المطبعة الشرقية، الطبعة الاولى،1999 .
15- 1961 Bettrand Russel, History of western Philosophy, ninth edtition,George Allen & unwin ltd
16- سهيا قاشا، احيقار الحكيم، الناشر(بيسان للنشر والتوزيع والالاعلام، بيروت،2005.
17- ول ديورانت، قصة الفلسفة،مكتبة المعارف،الطبعة الرابعة،بيروت، 1979 .
18- القديس اغسطينوس، مدينة الله،نقله الى العربية الخور الاسقف يوحنا الحلو،دار المشرق، الطبعة الثانية،بيروت،2007.
19- القديس اغسطينوس، اعترافات القديس اغسطينوس، نقلها الى العربية الخور الاسقف يوحنا الحلو،دار المشرق، بيروت،2003.
20-عامر حنا فتوحي، الكلدان منذ بدء الزمان،دار النعمان للطباعة والنشر، ديترويت، 2004 .
22-الدكتور عبد الله مرقس رابي، الكلدان المعاصرون،دار الشروق، عمان، 2001.