وبعد ستة أيام مضى يسوع وبطرس ويعقوب وأخيه يوحنا، فانفرد بهم على جبل عال، وتجلى بمرأى منهم، فأشع وجهه كالشمس، وتلألأت ثيابه كالنور. وإذا موسى وإيليا قد تراءيا لهم يكلمانه. فخاطب بطرس يسوع قال: "يا رب، حسن أن نكون ههنا. فإن شئتَ، نصبتُ ههنا ثلاث خيم: واحدة لك وواحدة لموسى وواحدة لإيليا". وبينما هو يتكلم إذا غمام نيِّر قد ظللهم، وإذا صوت من الغمام يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت، فله اسمعوا". فلما سمع التلاميذ ذلك، سقطوا على وجوههم، وقد استولى عليهم خوف شديد. فدنا يسوع ولمسهم وقال لهم: "قوموا، لا تخافوا". فرفعوا أنظارهم، فلم يروا إلا يسوع وحده. وبينما هم نازلون من الجبل، أوصاهم يسوع قال: "لا تخبروا أحدا بهذه الرؤيا إلى أن يقوم ابن الإنسان من بين الأموات". (متى 17/1-10)
فرح التجلّي
إنّ صفحة التجلي الإنجيلية تضعنا أمام حدث فريد في حياة يسوع، إذ يُظهر ذاته كابن لله في كل عظمته ونصاعته، في قلب مسيرته البشرية، بحيث سيقوم برحلته نحو أورشليم، حيث سيتألم ويموت. فماذا يقول لنا هذا الحدث؟
مسيرة يسوع المبشر والمعلّم، تذكرنا بمسيرتنا في المعرفة والتنوُّر. في حياة المؤمن، هنالك أهمية كبرى للقاء يسوع الكارِز الذي يعطي القلب سلاما وقوّة، ويشعل العقل بمعرفة الآب بالروح القدس، ويثبّت الوجدان في المعنى، معنى الحياة...
لكن رتابة العيش يمكن أن تجرّ كلاّ منا إلى الاهتمام بالخارج بدون الداخل، إلى التوقف عند الخلق من غير الخالق، إلى تبجيل الإنسان مع نفي العودة إلى مَن نفخ فيه الحياة... وبهذا يضيع كل معنى، ولا يبقى للحظاتنا رونق، ولا لاهتماماتنا هدف. تقتحم الظلمة وجودنا، من غير أن ندري، والنور يتقهقر، فنحتاج لله، ولا نراه.
كيف الخلاص؟ في التجلّي! هي مبادرة يسوع، الإله الإنسان، الذي يُظهر ذاته على الجبل، أي في عمق نفوسنا، حيث يحلو اللقاء بالله والآخرين. إنّه ظهور إلهيّ للمسيح القائم من بين الأموات، إذ يستبق الزمن، يؤكّد الرجاء، يعلن الغلبة على الموت والفساد والخطيئة.
فبتجلّيه يثبِّتُ حبُّهُ قلوبَنا، فلا يقوى الموت علينا بعد اليوم. وعليه، صرنا نجابه حضارة الموت بحضارة الحياة. يسوع المتجلي، المسيح الممجد، يوضح معالم هذا العبور المخيف الذي يقلق إنسان عصرنا، فنرى وراء ظلمة القبر نورَ الحياة الدائمة في الله، نرى الموت لا الأموات لأنهم أحياء...
بظهوره لم يعد الفساد يقلقنا لأنّنا تحررنا من "جسدنا"، من الصورة الخيالية لذاتنا، من أوهام الخارج، المظهر والصورة الكاملة والشهرة الذائعة، لنهتمّ بالأساسي، بالجوهري، بالحياة الحق، في حبّ مَن نلقاهم ونتقاسم الحياة معهم...
بانجلاء المسيح القائم من بين الأموات، لم يعد للخطيئة الكلمة الأخيرة في تحديد مصيرنا لأننا صرنا أبناء الحرية. فتجلّي يسوع يجعل طبيعتنا متجليّةً، ولا من عوائق تحدّ من بلوغنا إلى الملء فيه. ولكن هل نملك جرأة الإيمان فنجهر بأننا شركاء يسوع في تجلّيه كأبناء للآب؟ آمين. �
(اعداد الأب مارون الشدياق المريمي)
نقول...... موقع الفاتيكان الرسمي