مدينة الله السريه
القسم الثاني
الفصــل الســــــــــــابـع
مريــــم تـُقـدِم يســــوع للـرُعـاة
بعد أنَ أحتفل الملائكة في المَغارة بميلاد الله المُتـأنس ، كُلف البعض منهم أن يحمل البشرى الجديدة إلى أماكن مُـحدَدة . فحملها الملاك ميخائيل إلى الينبوس فكانت للجميع تعزية كبيره لإنتظارهم الطويل ، وبالأخص للقديسين يواكيم وحنة اللذين كلفا الرسول السماوي أن يقول لإبنتهما الجميلة ، أن تقدم إحترامهما لإبنهما الإلهي . وأرسل واحد من ملائكة حراس العذراء الكلية القداسة ، إلى القديسة أليصابات وابنها اللذين سجدا إلى الارض وعبدا الطفل الإله ، ورجيا العذراء القديسة بواسطة الملاك المُرسَل إليهما أن يقدمهما إلى مخلِصهما. وزيادة على ذلك أرسلت القديسة اليصابات إلى العذراء القديسة بعض التقاديم وبالأخص دراهم واقماط . فقـَبلتها الملكة الإلهية بشكر ، ولكنها لم تحتفظ إلا بقسم صغير منها ، ووزَعت ماتبقى على الفقراء ،لأن عمل الرحمة كان همَها الدائم . وذهب ملائكة آخرون يحملون بشرى الحدث السـّار إلى زكريا الكاهن ، وسمعان الشيخ ، والقديسة حنة النبية وبعض القديسين الآخرين .
جميع ابرار الأرض شعروا عندئذٍ بفرح فائق الطبيعة كانوا يجهلون سببه . وحتى الخلائق التي لاشعور لها تاثرت بولادة خالقها فأعطت الأشجار أزهاراً وتماراً وقـُلبت هياكل الوثنين وتحطمت الأصنام ،وصارت الكواكب أكثر نشاطاً والنجوم أكثر إشراقاً . وقد خـُلق في تلك الليلة الكوكب الذي أرشد ملوك المجوس . وفي الوقت نفسهُ كُلِف الملائكة المولجين حراسة ملكتنا،
أن يذهبوا ويحملوا بُشرى ولادة المُخلِص الإلهي لهولا المجوس ، ويوحوا إليهم أن يذهبوا ويسجدوا له . له الرعاة الذين كانوا يسهرون في تلك الناحية ، كانوا أسعد الجميع. لأنهم كانوا ينتظرون مجيء المُخلص ، ويتكلمون غالباً عن هذا الحدث العظيم . فقراء وبسطاء ، أتقياء ومجتدين في واجبهم ، أستحقوا أن يكونوا هم المدعوّون الأولون لمشاهدة الكلمة المُتجسـد.
فترآءى لهم رئيس الملائكة جبرائيل بشكل يتألق إشراقاً . فاستولى عليهم جميعاً لأول وهلة خوف عظيم . ولكنَ الرسول طمأنهم قائلاً : لاتخافوا فإني أحمل لكم بُشرى عظيمة ستملأكم فرحاً . لقد وُلد مخلص في مدينة داود ، وستجدونه ملفوفاً بقمط ومضّجعاً في مزود .
وفجأة حضر العديد من الملائكة الآخرين وراحوا يرنّمون من جديد :{المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام وللناس ذوي الإرادة الصالحة} . وكانت الساعة الرابعة ليلاً .
وللحال ذهب الرعاة مملوئين فرحاً وحبّاً ، ولم يتاخروا حتى وصلوا إلى المغارة. فتعرّفوا على الطفل الإله من إشراق وجهه ولطف نظراتهِ. فزادهم قداسةً ، وأعطاهم أنواراً لهم أسرار التجسد والفداء ، فخروا أمامهُ بورع وتقوى وقدّموا له عبادتهم كإلههم المُتـانس .
وكانت العذراء الكلية القداسة مُنتبهة لكلِ شيء يفعلونه ، وكانت تعرف حتى افكارهم ومشاعرهم . فأرشدتهم بحنان ، وحرّضتهم على الثبات في خدمة الله. وقد أعطوها هم بدورهم تفاصيل كثيرة عن الإتصالات الغريبة التي حصلوا عليها . وكانت تتامل بقلبها بجميع هذه العجائب . وبعد أن قدَمت لهم الطعام ، سمحت لهم بالذهاب نحو الظهر وهم مُفعَمين تعزية ، وعادوا من جديد لزيادة الطفل الإلهي مراراً ، وقدموا له بعض التقادم المتناسبة مع حالتهم الفقيرة ، ولكنَهم لم يتكلموا عن الأمتيازات التي حصلوا عليها ، إلا بعد رحيل العائلة المُقدسة من هناك .
وحصلوا ، بعد وقت وجيز ، على الفرح الفائق الطبيعة ، بتقدمتهم بعضاً من أولادهم للشهادة،
التي كانوا يرغبون فيها لأنفسهم ، عندما أمر هيرودس بقتل اطفال هذه الناحية ، وعاشوا في القداسة حتى موتهم .
وسط جميع هذه الإيحاآت ، بقي الجحيم في الجهل . وكانت جميع هذه الغرائب الإلهية مُخَبـأة عليه . وطُـُرِدَ منه بعضُ الشياطين دون أن يعرف مَن كان مصدر هذه القوة . وكان يجب فعلاً أن لايعلم أحد منها ، بطريقة أكيدة ، بمجيء المسيح . ساورت لويسفورس بعض الشكوك بالأمر ، ولكنه أطمأن لدى رؤيتهُ عظم الفاقة والضعة ، لأن كبرياءه لم تكن لتستطيع تصّور ظهور مُخلص العالم ،إلّا وسط كبرياء العظائم الارضية .
وكانت أُمُ الحكمة تصلـّي من أجل جميع الناس الذي كانت خطاياهم تجعلهم غير مُستحقين الفداء ، وفيالوقت نفسهُ لم تكُن أقل إنتباهاً لحاجات إبنها الإلهي . تغطِيهِ بمعطف لكي تمنع عنه البرد ، وتـُدفئه في كنف مذبح ذراعيها . وتعطيه أحياناً لخطيبها البتول ، كي يكون له فرح القيام بمهمة الب بالتبني . أول مرة أعطته هذه التعزية قالت له : تقبـَل خالق السماء والأرض ،
حتى تنعَـمَ ببنَوتهِ الفائقة الوصف ، فيستريح هو بخدمتك له . وتقول لأبنها الإلهي : ياحبيب نفسي العذب للغاية ، إسترح بين ذراعي خطيبي ، خادمك ، بالرغم من أنهً يشق عليّ أنَ أنفصل عنك برهة قصيرة ، ولكن أودُ أن أُشرك في سعادتي مـَنْ هو أهل لذلك .
ياملكة الكون ، اجاب يوسف : أنا لست سوى تراب ورماد ، فكيف أتجَرأ أن أحمل بيديّ من تـُزلزل عزتـُه ركائز السماء ؟ تحنـَن على حقارتي وعدم أهليتي . وجثا على ركبتيه وتقبَل كنز السماء ، وهو يرتجف إحتراماً ، ويبكي فرحاً .وأخذته الأم الوقور أيضا جاثية على ركبتيها هي الأخرى ، ومن ذلك الوقت ، كانا بهذه الطريقة المُتبّعة يتبادلان الطفل الإلهي : فيعملان ثلاث سجدات ويقبـّلان الأرض بعواطف بطولية من الأتضاع والعبادة .
وأحيانا كانت العذراء الكليةالقداسة تسلـّمة لرئيسي الملائكة القديسين ميخائيل وجبرائيل ، اللذين طلبا هذه النِعمة عندما يكون الزوجان القديسان يتناولان الطعام أو مثقلـَين بالعمل . ويحضران باشكال بشرية مثل باقي الملائكة الحرّاس .
وبينما كانوا جميعاً يساعدون سيدّتهم ، كانوا يترنمون معها بأناشيد التسبيح لإلههم المتأنس .
وكان القديس يوسف يشترك احياناً في هذه الحفلات ، ولكي تزيد من فرحة ، كانت خطيئة العجيبة تـُنادي الطفل الإلهي : ياأبننا ، عندما كانت تكلمه .
كانت تـُرضع ملك السماء ثلاث مرات فقط في اليوم . وعندما كان يحين الوقت كانت تطلب السماح بذلك ، بكثير من الإحترام ، وتنتظر أن يدعوها هو لترتاح قليلاً . وحتى يُكافىء تضحيتها، كان السيد يعطيها نوماّ عجائبياً ، أكثر من اي آخر تمتعت به حتى الآن. إذ لم يكُن قلبها فقط يبقى ساهراً ، بل كان يظلُ لديها من القوة مايكفي لحمل الطفل الإلهي .
إرشادات العـذراء الكلّية القداسة
قلّة من الناس ، ياابني ، عرفت ولادة أبني الإلهي . لأن البقية لم تكن أهلاً لذلك. فكم كانت حالة البشر تعسة حينذاك ؟ وحتى يومنا هذا ، فكثير منهم يستدعي الشفقة بعد هذا الفيض من العجائب التي صنعها الله وكنيستهُ . وكثيرون لايفكِرون بتأدية واجباتهم نحوه . ودون شك ،إن هناك بين هولاء من يعيشون في الكمال ، ولكنهم أقل مما يتوجب ، في زمن كان الله فيه مُهان للغاية ، ويرغب رغم ذلك في أن يفيض كنوز نعمه .
فأستجيبي أنت ، على الأقل ، لهذهِ النِعَم بصنيعك دوماًماتعلمينه أكثر كمالاً . وهكذا بأمكانك أن تستحقي نوعاً من السعادة التي كنت أعيشها مع خطيبي . وبصحبة إبني القدوس . إنك تشتهين قداسة هذا الأمتياز ، ولكن تعزّي لأنك لاتجهلين أن الله هو في كل مكان بوجوده ، وإنه يعلم الجميع افكارك ورغباتك وتنهداتك . وسيكون معك بطريقة خاصة ، إن أنت عملت كخادمة أمينة للإفادة من النِعَم التي تحصلين عليها بواسطة الأسرار ، والوسائل الأخرى التي هيـّاتها العناية الإلهية . وبمـَا أنك حاصلة عليهِ ، فماذا ينقصك إذاً سوى أن تعيشي فقط من أجل الإقتداء بي ؟ وما تبقى يجب أن لا يعني لك شيئاً كما أنك ، لن تكوني شيئاً بالنسبة له . فإلى هذا المستوى من الرفعة يتوجب عليك أن ترتقين بسمو نفس
ك .