لماذا أحبك أيتها العذراء ؟ أحبك لأني تلفّظت باسمك وأنا أرضع حليب أمي. أحبك لأن الله يحبك. ولأنكِ أم فاديّ ومخلّصي. أحبك لأنك الإنجيل الحي المُعاش المطبَّق. ولأنك صورتي الحقيقية لأنك نموذج المسيحي الكامل.أحبك لأني عندما أرفع نظري إليك أصل السماء ، وأُلامس القداسة والطهارة والجمال والروعة. أحبك لأنك تعرفيني باسمي مثل الله وتعتبريني ابنك الوحيد. أحبك لأنك عرفت الألم بسببي وأنك تحت الصليب تمخّضت بي وبكل إنسان ، حتى أصير أخا ليسوع ابنا لله ، على صورته ومثاله.
كيف أحبك أيتها العذراء؟ هل تكفي الشمعة التي أُضيئها ؟ هل تكفي الوردة التي أُقدمها؟ هل يكفي أن تمسح أناملي حبات المسبحة وأن تتمتم شفتاي وتتعثّر بالسلام الملائكي. لا يكفي ، لا يكفي ، لا يكفي.
مريم قديسة لا تعرف الخطيئة فإن لم أبتعد عن الخطيئة ، كيف أُحبها وأُرضيها؟
مريم طاهرة بروحها وجسدها فإن لم أحبس نظري عن رؤية الباطل ولساني عن النطق به وجسدي عن اقترافه ، فكيف أقول أني أُحبها وأرضيها؟
مريم غفرت لصالبي ابنها ، فكيف أُحبها وأنا لا أغفر ولا أسامح ولا أنسى الشر ، وأردّ الشر بالشر وأنتقم؟
مريم تطبيق الإنجيل بحذافيره كلمة كلمة ، فكيف ندّعي حبها وإكرامها ونحن لا نعرف الإنجيل وتعاليم المسيح ومنطق الله في التعامل وحضارة السماء المطلوبة من أهل الأرض؟
مريم ليست تمثالاً ، هي حركة وسرعة وسير نحو الآخر ومساعدة وخدمة وتضحية، فهل نجرؤ على قول أننا نحبها ونحن أنانيون ، وصوليون ، نؤثر المصلحة الشخصية؟
مريم صامتة متأملة مصلّية وهل نحبّها ونحن نكذب ونغتاب ونفتري ولساننا سليط على الآخرين وسمعتهم؟
مريم ! كم نحتاج إلى مريم ، وليس إلى شيء سواها.
مريم تأخذ كلامنا بجد
روى أحد المطارنة المرسلين في بدايات هذا القرن في كندا قصة دعوته عندما احتفل بيوبيله الفضي كمطران.
قال:" لما كان عمري 15 سنة ، وصل أبي وأمي إلى اليأس التام من إصلاحي ، فما كان ينفع معي لا مليح ولا عاطل ، لا أسلوب التفاهم ولا أسلوب الضرب. فبدل أن أذهب إلى المدرسة كنت أختبئ وألعب مع أولاد الشوارع.
في أحد الأيام وبعد أن أفقدت أبي صبره وأخرجته من جميع أطواره ، أمسكني بشدة من يدي وقادني إلى الشارع وجرني بقسوة من شارع إلى شارع حتى وصلنا باب الكنيسة .اقتادني إلى هيكل العذراء وأمام العذراء أوقفني وهو ممسك بيدي وبصوته العالي الرجولي قال لها هذه الكلمات وكأنها صلاة:" يا أم الله ، هذا الولد أوصلني إلى اليأس ولا أعرف كيف أتصرف معه . أنا أقدمه لك ، أرجوكِ أن تخرجي منه شيئا صالحا. فأنا عاجز تماما عن صنع أيّ شيء له". وبينما كان أبي يتكلم إلى العذراء بهذه اللهجة كنت أنا أنظر إلى يسوع الطفل بين ذراعيها وقد أثّر بي هذا المنظر حتى أنه كان بداية تغيير حياتي . فبعد ثلاثة سنوات دخلت السمنير. ولما أصبحت كاهنا ، أنعم الله عليّ بالذهاب إلى بلاد الرسالة. وكان بوداعي أبي وأمي والأهل والأصدقاء وفي اللحظة التي أمسكني أبي فيها ليقبلني قال هذه الكلمات بصوت متأثّر ، متقطّع :" إن العذراء في ذلك اليوم الذي جررتك فيه أمامها أخذت كلماتي بجدية تامّة . لقد أصبحت كلّك ليسوع . كم أنا سعيد بما استطاعت العذراء أن تصنع بك".
مريم صورة عن الجميع
سُؤلَ الرسام العظيم رفائيل بعد أن انتهى لوقته من رسم العذراء سيدة الكابيلا سيستينا في الفاتيكان:- ما هو الموديل النسائي الذي استوحيت منه وجه هذه العذراء الجميلة الإلهية؟ فأجاب الرسام الشهير رفائيل: " لم أستوحِ من امرأة واحدة معينة ، إنما تمعّنت في وجوه الكثيرات من الأمهات، وأخذت من كل واحدة اللمحة الجميلة التي فيها. وجمعت كل هذه اللمحات ووضعتها في وجه مريم ، فتوصّلت إلى هذه الصورة الرائعة".