الإفخارستيا تـذوق ســــابق للملكــــوت
نعيش في القداس، بنوع خاص ونحن بعد على الأرض، ليترجية السماء، حيث ربوات الملائكة ترفع الحمد والتسبيح للثالوث القدوس المتساوي في الجوهر هاتفة: "قدوس، قدوس، قدوس، رب الصبؤوت. السماء والأرض مملوءتان من مجدك" (أشعيا 6، 3). نشيد السماء هذا نسمع صداه يتردد في قلب الكنيسة، وقد أضفنا إليه نشيد الأرض وهي تستقبل ملكها الآتي إلى أورشليم ليخلصها: "هوشعنا في الأعالي! مبارك الآتي باسم الرب. هوشعنا في الأعالي" (يوحنا 12، 13).
الليترجيا الإلهية تحملنا إلى السماء، إذ تفتح أمامنا البعد الإسخاتولوجي، فتجعلنا نتذوق مسبّقًا "ليترجية السماء، المحتفل بها في أورشليم الجديدة والتي نتوق إليها كمسافرين" (5)، وهي أيضًا تحمل السماء إلينا وتدخلها في حياتنا اليومية. فالكنيسة، أي الجماعة الإفخارستية، هي موضع الولادة الجديدة بالروح القدس، الولادة التي منحنا إياها السيد المسيح بسر موته وقيامته. الكنيسة هي جماعة الإنجيل والإفخارستيا. إنها جسد المسيح ومكان العنصرة، حيث يحل الروح القدس ويحوِّل الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه، كما يحوِّل المؤمنين إلى مسحاء آخرين، ويحوِّل الخليقة كلها إلى هيكل لله الحي، يتردد في حناياه نشيد الحمد والشكر والتمجيد، "إذ إن الخليقة كلها تئن وتتمخض بانتظار الفداء" (روما 8، 22). وهكذا تصبح الأرض سماء، وتصبح الحياة، في النظرة المسيحية، ليترجيا إلهية كونية شاملة.
الإفخارستيا منطـلق الحياة الجديــدة
خلق الله الإنسان ليشاركه في حبه المجاني. وإذا كان الإنسان قد تعثر في مسيرة الحب هذه، فإن الله بقي وفيًا وأمينًا فيعهده حتى الصليب والموت، اللذين حولهما بقدرته إلى قيامة وحياة جديدة.
إن الإفخارستيا احتفال بهذا السر. واشتراكنا فيها يعني قبولنا أن يجددنا الله ويغيّر حياتنا. فنعبر، مع المسيح القائم، إلى الحياة الجديدة، شاكرين له تدبيره الخلاصي (6).
إن الروح، الذي يجمع المحتفلين، يجعل منهم كنيسة (جماعة) منفتحة على محبة الله ومحبة الآخرين، ويحولهم إلى شركة (Koinonoia) تبدأ الآن على الأرض، وتكتمل في الملكوت السماوي. فالإفخارستيا، إذًا، هي رمز الانتماء إلى المسيح القائم، ورباط وحدة الجماعة التي ترغب في تغيير وجه العالم، وتلتزم تهيئةَ اليوم الذي تستقبل فيه البشرية المسيح الممجد في المجيء الثاني (البعد الإسخاتولوجي)، وتهتف، مع جميع المخلَّصين: "طوبى للمدعوين إلى وليمة عرس الحمل" (رؤيا 9، 19).